السيد الحيدري وحوار الملحدين

محمد رضا


كنت أحب أن أهنئ السيد الحيدري لبدئه في حلقات عن الإلحاد، كمشروع ننتظره لأهمية موضوعه في الساحة، ولكن ما السبيل إلى الفرحة بمشروعٍ أُجهِضَ قبل أن يلتقط أول أنفاسه؟!

بحسب متابعتي لردود الفعل من شتى الأفكار والاتجاهات لا سيما الملحدين، جلهم ضرب ضربة استباقيّة والتزم بكلام السيد سابقاً والذي كرره في نفس الحلقة الأولى من حواره مع الملحدين، وهي: أنه لا يمكن لنا كشف الواقع والحقيقة كما هي، بل علينا أن نقول إن هذا هو فهمنا لما نعتقد أنه الواقع، وربما يطابق الواقع وربما لا يطابق. وبالتزامهم هذا فكل ما سيتعب نفسه لإثباته سيرتطم بهذا الجدار الذي بناه جنابه المحترم، وهو ما سيحبط بعض المتابعين، وسيصد البعض الآخر إذ لا شيء يمكن الركون إليه بكل طمأنينة حتى مسألة وجود الله؛ لاحتمال انكشاف الواقع بخلاف هذه المقولة.

المستفيد الوحيد من هذه الحلقات شركة الانترنت التي سترفع من خلالها فيديوهات الحلقات، وشركة سيرفر موقعه، مضافاً إلى بعض المطبلين الذين أدمنوا هز رؤوسهم و(أحسنت سيدنا، طيب الله أنفاسك) والذين ينسجمون مع المنظومات المتناقضة بشرط صدورها عن جهة معينة. نعم، العشوائية والفوضى لا يولّدان النظام والإتقان.

قسّم السيد المخطئين المجانبين للحق كالخوارج والملحدين إلى طلاب حق وطلاب باطل، واعتبر أن الملحدين من الصنف الأول، وأنه عنون بحثه بلفظة (حوار) وليس (رد) لأنه يريد أن يحاورهم ويستمع ما لديهم، وأنه يرفض المنطق الذي يصنفهم في القسم الثاني لأنه يستتبعه التكفير والتسقيط والحكم بالارتداد و[طلاق] زوجة المرتد منه.. إلخ المعروف من أحكام المرتد في الفقه.

والذي يستمع إليه يظن للوهلة الأولى أنه لم يحكم على الملحدين بهذه الأحكام في كتبه الفقهية، فمثلاً نقرأ في منهاج الصالحين للسيد الحيدري:
1. في بحث الأعيان النجسة، الصنف التاسع يندرج الملحد تحت قائمة المحكوم بنجاستهم.
2. في مسألة 1776 حكم بانفساخ عقد الزواج إذا ارتدّ أحد الزوجين، وإذا كان الزوج مرتداً فطرياً [من ولد على فطرة الإسلام] فتعتد زوجته عدة الوفاة لا عدة الطلاق، فهو في حكم المقتول قصاصاً.
3. في مسألة 1929 حكم بانتقال إرث المرتد الفطري أو المرتد الملي إلى الإمام، ولا يقسم إرثه على ورثته الكفار.

فإذا كانت هذه الأحكام الشرعية برؤية السيد الحيدري وما فيها من الإزراء على المرتدين، فما الداعي إلى هذه البروباغندا الفارغة من تعيير المتشرعة بالالتزام بالأحكام الشرعية تجاه الملحد وغيره، وكأنه هو المنصف والعادل والمتفهّم، وغيره يمارس الإرهاب! فماذا عن هذه الفتاوى؟! لماذا من الحلقة الأولى يبدأ الكيل بمكيالين؟ مكيال الفقيه التقليدي في الرسالة العملية، ومكيال الفقيه الحداثوي التنويري الانفتاحي في حوار الملحد! والمرتد هو المرتد، إلا أنه يبدو لكل مقام لسان: لسان الفقيه التقليدي ولسان الفقيه المتنور! 

أنا كإنسان يلتزم بالشريعة الإسلامية يمكنني أن أدعو الملحدين إلى الحوار مع الالتزام بشريعتي وعدم الغمز واللمز، ويكون الحوار بلغة علمية في بحث الأدلة، فإن قَبِل الملحد، بدأنا في المنهجيّة الصحيحة بالحوار في إثبات الصانع ثم توحيده وصفاته ولا أصغي لاعتراضات الملحد على الأحكام الشرعية، فهذه فرع ثبوت وجود الله وألوهيته وحاكميته ومالكيّته، وإذعاناً لهذه الحاكميّة أسلم بكل ما في شريعته لذلك لا بد من البحث في الأصول الكبرى، وهذا ما يبدو أن السيد رسم له، وهو جيد منهجياً على أمل أن يكون التطبيق خالياً من الهنّات والهذر عديم الفائدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟