معنى قوله (ع): كونوا أحرار


سأل أحد المؤمنين: ورد في في السير أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال يوم عاشوراء: (وَيْحَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَتُقَاتِلُونِّي وَالنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحُرَمِي مَا دُمْتُ حَيّاً)، وكأنّ شمراً لم يفهم بدايةً ما قال إمامه، وما هو مقصوده من كونهم شيعة آل أبي سفيان، ومعنى أن يكونوا أحراراً، ومعنى الحرية في الدنيا، وكيف أرجعه إلى نسبه، وما قصد الإمام بذلك؟ وكيف يزعم أنه من العرب؟! فأردف اللعين قائلاً: (ماذا تقول؟). فسّهل عليه الإمام عليه السلام حديثه، وهو منعهم عن حرمه. هل حقيقة كانوا لا يعلمون أنّ هناك معادا؟ وأنهم ليسوا من العرب؟ وهل أنّ الشمر لا علم له بكونه من شيعة أبي سفيان، ليستفهم من الإمام عليه السلام ماذا يقول؟

والجواب:
لا بدّ من بيان المقصود من هذا المقطع الذي تكلّم به الإمام الحسين عليه السلام عندما أصبح وحيداً، وحال بينه القوم وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله، وهو مؤلّفٌ من فقرتين فصل بينهما سؤال الشمر لعنه الله.

⊙ الفقرة الأولى: وأقسّمها إلى ثلاث نقاطٍ:
¤ وَيْحَكُمْ: كلمة توجّع وترحّم وإظهار الشفقة، وقيل: هي بمعنى ويل، كما يقال: (ويحك أيها الكاذب)، ولعلّها هنا بهذا المعنى، وهو المناسب لما في بعض النسخ.
¤ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ: وذلك باعتبار أنّ هؤلاء الذي اجتمعوا حوله واحتوشوه من كلّ جانب أتباع لبني أميّة، المنتسبين إلى أبي سفيان، وفي ذكر اسمه بدل أن يقول: (يا شيعة آل أمية) دلالة على ما أسّسه ذلك الرجل، الذي كان على رأس المحاربين لله ورسوله، وأظهر الإسلام خوفاً على حياته، وأبطن الكفر، وهو أساس هذه الشجرة الخبيثة التي اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار.
¤ سائر ما جاء في بقية الفقرة: هناك أمور حاكمة على تصرّفات الإنسان وسلوكه، أشار الإمام عليه السلام إلى بعضها:
- الدين وقوانين الشريعة.
- الخوف من يوم الحساب.
- الحرّية والاستقلال.
- الانتماء النسبي والحسبي.
فيقول عليه السلام: إنّكم يا شيعة آل أبي سفيان قد فرغنا عن أنّ الدين وخوف يوم الحساب لا أثر له في سلوككم؛ لأنّكم بعتم دينكم وآخرتكم بدنيا غيركم، ولكن على الأقل أنتم تدّعون الحرية والانتماء إلى الحسب والنسب، فينبغي أنْ يكون ذلك رادعاً لكم.

⊙ الفقرة الثانية: لمّا كان الكلام المتقدّم تمهيداً لأمر يراد تحكيم الحرية والنسب والحسب فيه - حيث إنّه عندما تقول لرجل ابتداء: (إن لم يكن عندك دين، فعلى الأقل حكّم عقلك) مثلا، يفهم منه إنّك تقصد شيئاً معيّناً تريده أنْ يحكّم فيه عقله -، فسأل الشمر عنه بقوله: (مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ). فبيّن له الإمام عليه السلام ما جاءت الفقرة الثانية تمهيداً له، وهو أنّه لمّا كان هو غريمهم فليتوجّهوا إليه، ويتركوا التعرّض لغيره. ولذا جاء في تكملة المنقول في الرواية: (فقال شمر: لك ذلك يا ابن فاطمة. ثم صاح: إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه، فلعمري هو كفؤ كريم. فقصدوه بالحرب).

⊙ أقول: بعد هذا الشرح للمقصود من المقطع يتضح الجواب عن جميع ما جاء في السؤال، كما أنّ بعض ما جاء فيه ناشئٌ من عدم الوضوح الكامل للمقصود.
جعلنا الله وإياكم من السائرين على نهج الحسين عليه السلام...

تعليقات

  1. ما معنى فكونوا احرارا في دنياكم

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟