البكاء أو التباكي على الحسين "ع" رياءاً مشروع؟

طُرح سؤال:

هل البكاء أو التباكي على سيد الشهداء صلوات الله عليه رياءاً مشروع؟

والجواب:

☆ البكاء عبارة عن سكب الدمع واقعاً، وينشأ في العادة من حالةٍ انفعاليةٍ عاطفيةٍ تجاه أمرٍ معيّنٍ، يسمّى حزناً، وقد يصحب ذلك - بحسب شدّته - صراخاً وعويلاً وما شابه. والتباكي عبارة عن تكلّف البكاء لغرضٍ من الأغراض.

⊙ وهذان الفعلان - كمعظم الأفعال التي تصدر عن الإنسان - قد يكونان طاعةً، وقد يكونان معصيةً. ومن الواضح جدّاً أنّ نيّة الفاعل ليست بمعزلٍ عن توصيف الفعل بالطاعة أو المعصية. فإنْ بكيتُ في صلاتي، وفي جوف الليل مثلاً، لاعتباري بآيةٍ من آيات الله، أو استذكاري لذنوبي في مقام خشية الله، أو ذرفتُ الدمع حزناً على ما حلّ بالمولى أبي عبد الله عليه السلام، ونحو ذلك، فهذا يعدُّ من الطاعات والقربات. وتتفاوت هذه الطاعة علوّاً وسموّاً بمقدار خلوص نيّة العبد. وهكذا الحال في التباكي، إذا كان ناشئاً عن حالةِ حزنٍ مع جمود العين عن ذرف الدموع، لكن أراد المتباكي تهييج حزنه لعلّ العين تلين، فتذرف دموعاً تُغْسَلُ بها النفس عن أدران الذنوب. أو كان لغرضٍ مشروعٍ كامتثال أوامر الشارع في التباكي على سيّد الشهداء عليه السلام، أو إرادته إيجاد جوٍّ عامٍّ من الحزن في مجلس العزاء بحيث يأتي أُكَلَهُ على الوجه الأكمل.

⊙ وهذا البكاء والتباكي نفسه الذي يُعَدُّ طاعةً قد يتحوّل إلى معصية أو يلازم وقوع المعصية إنْ كان بطريقةٍ أخرى، كما لو كان تصنّعاً لإيجاد منزلةٍ له في قلوب الناس الأمر الذي يجعله مندرجاً تحت الرياء الذي هو الشرك الأصغر، أو لَحِقَهُ الاعتداد بفعله بحيث صار مندرجاً تحت العُجْب الذي هو من الصفات الرذيلة للنفس.

⊙ والحاصل: أنّ دعوى (أنّ التباكي من الرياء، وبما أنّ الروايات قد أمرت به على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فيدلّ ذلك على استثناء التباكي من حرمة الرياء وقبحه) غير صحيحةٍ أصلاً؛ وذلك لِما عرفتَ من كون التباكي قد يكون طاعةً كما لو كان لغرض سليمٍ مشروعٍ مع الإخلاص، وقد يكون محرّماً أو ملازماً لمعصية إذا كان مصداقاً للرياء أو العجب أو ملازماً لهما. والروايات أمرت بالنوع الأول لا الثاني، وبالتالي لا دلالة فيها على مشروعية الرياء في التباكي.