منافيات المروءة
تظهر لنا بين فينةٍ وأخرى سلوكيات من أشخاص نَصفها بعدم المناسبة مثل: شخص بلباس ديني يعزف على البيانو، وآخر ينشر صورته وزوجته، وثالث ينشر رسم امرأة يظهر صدرها، و رابع وخامس والقائمة لا تنتهي.
ولا يتوقف ذلك على سلك معين كطلبة العلم والمشايخ، بل يتعدّاه إلى كل أفراد المجتمع خصوصًا ممن لهم مكانة ووجاهة في المجتمع، وإن تفاوتت درجات ذلك.
ولا ريب بأن سيرة العقلاء قائمةٌ على تقبيح صدور بعض الأفعال من بعض الأشخاص، وما فتأت سيرتهم على النُصح للآخرين بأن هذا الفعل يناسبك وذاك لا يناسبك، وعلى هذه السيرة مضت الشريعة أيضًا، ولذا نرى القرآن يخاطب نساء النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ ...﴾ وهذا المقدار من المسألة مما لا يُنكر، وإنما الكلام في أمرين:
١- من الذي له الحقّ في تمييز ما يناسب و ما لا يناسب؟
٢- ما هو الأثر الذي يترتّب على الإتيان بما يخالف المروءة؟
أما السؤال الأول فذكروا أن الحاكم في ذلك هو أعراف كل بلدٍ، بمعنى أن ما يُعدّ عيبًا في عرف بلدك فإتيانك به يكون قبيحًا ومخالفًا للمروءة، ومن الواضح أن هذا يختلف من بلد لآخر، ومن شخص لآخر أيضًا، وبالرغم من هذا الاختلاف إلا أنك تجد في كل بلد من الأفعال ما يُجمع أهلُ العرف على تقبيحها.
وأما السؤال الثاني ففيه صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون الفعل مصداقًا لهتك الإنسان لحرمة نفسه، وذكر السيد الخوئي أن مثاله ذهاب مرجع ديني إلى المقهى، وهذه الصورة متفقٌ على حرمتها، وأنها موجبة لسقوط وصف العدالة عن فاعلها.
الصورة الثانية: أن لا يصل إلى تلك الدرجة من الاستهجان، وذهب مشهور الفقهاء إلى أن فاعلها يسقط عنه وصف العدالة وإن لم يحكم عليه بالفسق، فلا تصح الجماعة خلفه مثلًا.
وكيف كان فإن مراعاة هذه الأمور مما له دخالة تامّة في حفظ وتماسك المجتمع وتنشئته على السلوك الفاضل، والأخلاق الحميدة؛ ولذا فالمسألة ليست راجعة إلى حرية شخصية بقدر ما لها من علاقة بالمجتمع وسيره نحو الفضيلة؛ فإن صدور الأفعال المستنكرة عرفًا ممّن يرجى له أن يكون قدوة في مجتمعه يفتح الباب على مصراعيه لصدوره من غيرهم، بل وتبرير العمل لهم.
تعليقات
إرسال تعليق