حب الله وشريعتي: الإنحياز الناعم



في مقال للاستاذ حيدر حب الله بعنوان: «أعمال شريعـتي من الثورة إلى الإصلاح»* يقول في خاتمتها:

".. اليوم، نحن بحاجة إلى إعادة قراءة شريعتي … وهذا ما يستدعي توازناً في مطالعة الرجل، لا ينحو منحى التبجيل ولا يتّجه ناحية التفسيق والتضليل" **

أي أننا كقرّاء وباحثين ومطلعين علينا ألا نضخم من ظاهرة شريعتي وبتعبير حب الله في نفس مقالته: "نتحفّظ على الأسلوب الدعائي التهويلي الذي يستخدمه بعض الباحثين بهدف إحياء شريعتي".
 حتى لا نقع في فخّ الإنحياز المبطن أو الظاهر، ووضع العربة قبل الحصان، واستقراء النتيجة قبل المقدمات. وهو ما يعني ضرورة استخدام الحيادية في الوصف وفي العرض وفي التقديم، ومعالجة شريعتي على أنه صاحب أطروحة أيدلوجية تحت مجهر التمحيص والنقد، لا على أنه (قامة) صدرت منها ثغرات بسبب كون تراثه في معظمه مجرد محاضرات! وهو ما لم يكن، لأن دعوى حب الله كانت أكبر من عمله!

إذ أننا في نفس المقالة نجد الاستاذ حيدر حب الله يستخدم عبارات متناقضة مع ما أشار إليه، فنجده في بداية المقالة يصف شريعتي بأنه: "مفكّر كبير" ثم يعرضه على أنه: "المصلح الديني البارز في إيران" ويقدمه على أنّ "أيديولوجيته وحماسته وثوريته كانت تساعده على تقديم شخصية ذات مصداقية على مستوى الرأي العام"، وما يلبث أن يختم مقالته في أسطرها الأخيرة بوصفه: "شريعتي المفكر العملاق"!

فشريعتي ذو المصداقية، والمفكر العملاق والكبير، والمصلح الديني البارز، كلها أوصاف ذاتية وتبث انحيازات ناعمة في لاوعي المتلقي على أن مشكلة شريعتي لم تكن في ذاته، وعقيدته، وفكره، وأطروحته ككل إنما في ثغرات، والثغرة منفذ بسيط في بنيان مشيّد! صدرت منه لأنه بحسب تعبير حب الله:  "أكثر كتبه إنّما هو نتاج محاضرات وخطب، الأمر الذي يفسح المجال للعثور على ثغرات"!.
وهذا بعبارة بسيطة يعني أن النتيجة سبق وأن تم اتخاذها، وما بعد ذلك هو مجرد مشروع لايجاد مبررات لهذه الثغرات ومعالجتها للحفاظ على بنيان شريعتي المفكر العملاق الإصلاحي البارز!
وهكذا تصبح دعوى الحيادية مجرد مداولة صورية لحكم سبق اتخاذه، لتمرير المسرحية على عامة الناس البسطاء.

فتأمل بمثل هذه التناقضات!

_________

* حيدر حب الله، أعمال شريعتي من الثورة إلى الإصلاح
** مع ملاحظة أن التفسيق أو التضليل هي أحكام شرعية يطلقها المكلف متى توافرت مقتضياتها بعكس التبجيل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟