دفعُ التشكيك في إمامة السجاد (عليه السلام)
منذ البدء بالتشكيك بالنصوص على الأئمة (عليهم السلام) يستغلّ بعض المشككين المناسبات الخاصة بالأئمة (عليهم السلام) لإثارة الشكوك والشبهات حول إمامتهم، بدلاً من أن يصرفها فيما هو أبقى، فسنة الله تقول: فأمّا الزبدُ فيذهبُ جفاءً وأمّا ما ينفعُ الناس فيمكثُ في الأرض.
وقد وصلت النوبة إلى الإمام السجاد صلوات الله عليه، فنعرض الإشكال ثم نلقي الجواب لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
والإثارة الحاليّة حول إمامة الإمام السجاد (عليه السلام) تتعلق بروايةٍ رواها الخزاز القمي في كتابه القيّم (كفاية الأثر) والرواية هي:
[حدثنا أبو عبد الله محمد بن وهبان البصري الهنائي، قال: حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد السرقي، قال حدثني أبو الأزهر أحمد بن الأزهر بن منيع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: كنت عند الحسين بن علي عليهما السلام إذ دخل علي بن الحسين الأصغر، فدعاه الحسين عليه السلام وضمه إليه ضماً وقبل ما بين عينيه ثم قال: بأبي أنت ما أطيب ريحك وأحسن خلفك. - فيداخلني من ذلك - فقلت : بأبي وأمي يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك فإلى من ؟ قال: إلى علي ابني هذا، هو الإمام وأبو الأئمة. قلت: يا مولاي، هو صغير السن؟ قال: نعم، إن ابنه محمد يؤتم به وهو ابن تسع سنين - ثم يطرق - قال : ثم يبقر العلم بقراً].
وإشكالات المشكك على الرواية كما يلي:
الإشكال الأول: إنّه قد ثبت أنّ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من علماء أهل السنة، فكيف يروي روايةً تخالف معتقده؟
والجواب: هذا الإشكال يرد إذا كانت الرواية تساوق الاعتقاد، وعند أهل الحديث المخالفين (الرواية أعمّ من الاعتقاد) كما هو ظاهرٌ في كلماتهم، وقد يروي ما لا يعتقد به، على أنّ ظاهرَ الروايةِ أنّ السائل يعرفُ مسألة الإمامة، ولذلك خاطبَ الإمام بقوله: (إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك، فإلى من؟) ومثل هذه الأسئلة لا تصدر إلا عن القائلين بالإمامة غالباً، وليس هذا بمستبعدٍ من أئمة السنة الكبار، فقد كان جملةٌ منهم من المتعلقين بأذيال أهل بيت النبوة، إلا أنّهم انقلبوا على أعقابهم فيما بعد، ومنهم الزهري الموجود في سند الرواية المذكورة، وغيره الكثير.
الإشكال الثاني: إذا كان السجاد قد ولد في عام 37 هجريّة، فالمفروض أنّ الحادثة قد وقعت والسجاد لم يبلغ الحلم، فكيف يشير الحسين إلى حفيده محمد الباقر مع أنّ ولادة الباقر كانت سنة 57 هجريّة؟
والجواب: افتراض أنّ الحادثة وقعت قبل بلوغ السجّاد عليه السلام الحلم ليس له دليل من أصل الرواية يمكن التمسك به، سوى الإشارة إلى ضم الإمام له وتقبيله وسيأتي نقاشها. على أنّه لا دليل - أيضاً - في الرواية على أنّ الباقر عليه السلام كان موجوداً، فلعلّ كلام الإمام الحسين عليه السلام عن الباقر عليه السلام من قبيل الإخبار عن المستقبل، إذ أنَّ سيد الشهداء يعرف سائر الأئمة من بعده.
الإشكال الثالث: إذا كانت الحادثة قد وقعت بعد ولادة الباقر فالمفروض أنّ السجاد عمره حينها أكثر من 20 سنة، فكيف يستساغ أن يدعو الحسين ولده ذا العشرين سنة ويضمه إلى صدره ويقبله بين عينيه كما يتعامل الأب مع صغاره؟
والجواب: قد قدّمنا أنّه لا دليل على وقوع الحادثة بعد ولادة الإمام الباقر عليه السلام، كما أنّ الضمّ والتقبيل بين العينين يقعُ من الأب لابنه الكبير، وليست الهيئة المتصوّرة مختصة بالصغار، وهذا يكون لبيان جلالة قدر الابن وتعظيمه عند الإمام، ليكون ذلك من الممهدات لبيان منزلته من الإمامة.
الإشكال الرابع: تلقيب علي بـ(الأصغر) رغم أنّ أكثر الأخبار على أنّه أكبر من أخيه الشهيد.
والجواب: إنّ الوهم في حرفٍ من حروف الرواية أمر كثير الوقوع، ويمكن إصلاحه بالالتفات إليه حين مقارنة الأخبار ببعضها، ومع ذلك لا يخلو الأمر من إشارات نوجز ونختصر في ذكر بعضها:
1. كون علي الإمام أكبر من عليّ الشهيد ليس من المُسَلَّماتِ، فهناك من يذهب إلى ولادة علي الشهيد سنة 33 هجريّة ما يعني أنّه أكبر من أخيه الإمام سناً، والمستشكل في هذا ليس إلا مقلّد أعمى لكلام غيره ولم يبرهن على صحّته، وإنما انتخبه من بين الأقوال لأنه يناسب إشكالَه.
ونضيف: إن ثبت أن الإمام هو الأكبر فنحمل ما ورد في الرواية على الوهم، وإن ثبت أنّه الأصغر فالأمر واضح، وعلى كلا الوجهين لا يمكن ردّ الرواية ورميها بالوضع بأدلة مرجوحة أو غير واضحة.
2. إذا أراد المستشكل إلزام خصومه بالروايات التي تقول إنّ علياً الإمام أكبر من علي الشهيد، فهم في هذا الباب أيضاً ملزمون بقبول الروايات في إثبات النصّ على إمامة السجّاد عليه السلام، وإلا فهذا يكون انتقائيّة وتلاعباً، إذ كيف لنا أن نلتزم ببضع روايات في أن الإمام أكبر من أخيه الشهيد، ولا نلتزم بمئات الروايات في أنّه الإمام المنصوص عليه؟
والحمدُ لله أولاً وآخراً، ونعوذ به من الجهل والهوى دائماً وأبداً..
تعليقات
إرسال تعليق