التعامل "الكاشيري" مع الله

الأستاذ علي حمزة زكريا

المادية حين تغلغل في النفس البشرية قد لا تنعكس على الإنسان - بالضرورة - بإنكار الغيب، فتراه يؤمن بالله وملائكته وكل ما يندرج تحت "الغيب". إلا أنّ إيمانه المادي يظهر في طريقة تعامله مع هذا "الغيب"، وهذا هو المحك بين الإيمان ومجرّد الاعتقاد.

فالإيمان بالله، ثم التساؤل عن كيف أن دمعة يمكنها أن تعتق رقبة الإنسان من النار بينما لا يكون "اختراع التكييف" كذلك! والتساؤل عن كيف أن تذهيب قبة معصوم يثقل الميزان أكثر من اطعام جائع بوجبة! والتساؤل عن كيف للدين أن يقول بأن ذاك البوذي الخلوق نجس وهذا المسلم الكذوب طاهر! وغيرها من الأسئلة والأمثلة على هذا النسق تشير إلى أن طبيعة الإيمان عندهم ليست إيمانًا واقعيًا بل إيمان من باب الحاجة النفسية أو الغرض الاجتماعي في الغالب الأعم.

فهم يريدون إيمانًا هم يفرضون طبيعته، ويضعون موازينه، ويرسمون ملامحه، وإيمانًا يكون فيه الله - عزّ وجل- مجرد "كاشير" [محاسب] يحاسب مقدار الثواب، دون أن يضع الموازين له. ويكون معيار الأعمال عندهم "عدد الحسنات" لا مدىٰ "رضا الله سبحانه وطلب القربى منه"، وهذا هو محل الاشكال عندهم.

فهم يتعاملون مع الله سبحانه على أنه مجرد عدّاد للحسنات، حيث أنه يجب عليه أن يدخل فلانًا للجنة لأنه قام بعمل مادي يستحق عليه كمٍّ من الثواب أكثر من غيره بحسب الموازين الظاهرية ومن ثم فإنه من غير العدل أن يعطي الله لغيره من الثواب ما يفوق ثوابه لأنه عمله أقل بحسب الموازين الظاهرية المادية أقل شأنًا من عمل ذاك؛ ولاحظ هنا كيف أنهم يحددون التكليف لله سبحانه والحال أنه المُكلِّف للعباد!

التكاليف الإلهية، والكرم الإلهي لا يُقاس بالظواهر المادية للفعل بل بالنيّة المنشئة لها، وحقيقتها الواقعية - لا الظاهرية - وفي الرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله:"نيّة المؤمن خيرٌ من عمله .." فالعمل لا يقاس بظاهره الذي قد يخالطه الفساد نتيجة نقص ما، وهو أمرٌ متوقع، بل بالباعث لأدائه والغاية من ورائه، فحرق الخشب للتدفئة ليس كحرق الخشب للتطيّب.

هذه المادية المتأصلة في النفوس المدعية للإيمان بالغيب، توردهم لهذه المقايسات الباطلة والتي لو عرفوا كتاب الله سبحانه حق معرفته لعلموا أن مقام الولاية ناله من تصدق بالخاتم في ركوعه، ولم ينله من قرّب قربانًا لله فكان وبالاً له، فليست الأمور بظاهرها ولا بكمّها بل بمنشئها وقربها لله، الذي هو رأس مال العمل لا مجرد الفعل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»