ماذا تعني مفردة (الغلام) التي أطلقت على الإمام الحجة؟

الشيخ حسين المياحي

أراد بعضهم التشكيك بولادة الإمام الحجة (عج)، فذكر روايةً من كتاب الغيبة للطوسي قائلاً: «بين عُمر الزهراء (ع) وعمر حفيدها المهدي (ع) مفارقات!!!»، قال هذا البعض: «يروى أن جماعة من شيعة الإمام العسكري (ع) ألحوا عليه بأن يخبرهم عن شخص الخلف من بعده وكان في مجلسه أربعون رجلاً ومنهم ما يصطلح (كذا) عليه بالسفير الأول، وفي الأثناء خرج عليهم «غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (العسكري) (ع) فقال (لهم العسكري ع): هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم... إلخ»، ثم علق قائلاً: «وحيث إن مفردة «الغلام» تطلق عادة على الصبي المميز والذي يترواح عمره ما بين 10 ـ 15 سنة كما صرح بعضهم بذلك!!، بينما كان عمر المهدي (ع) حين وفاة والده (ع) حسب فرضية ولادته لا يتجاوز الخمس سنوات ... وقع البحث حينذاك في تفسيرها... » إلى آخر كلامه، وقد وصف هذه الرواية بأنها مكذوبة موضوعة وأنها من قبيل «نحت الأدلة بعد الوقوع».

أقول: لسنا معنيين أيضاً بتكذيبه الرواية جزافًا دون دليل، فقد كُذبت الأنبياء والرسل، وكُذب القرآن الكريم، ولا بتفسيرات من فسرها ولم يحظ تفسيره عندك بالرضا، كما أننا لا نناقشك في قولك «نحت الأدلة بعد الوقوع»، ولكن لدينا هنا ملاحظتان:

- الأولى: لا داعي لوضع علامات التسليم على الإمام الحجة (عج) عند ذكره في كتاباتك، وأنت لا تعتقد بولادته، أو على الأقل تثير التشكيك، ولست متأكداً من ذلك، فالتسليم على المعدوم أو المجهول أمرٌ لا معنى له، اللهم إلا إذا كان ذلك لونًا من التمويه على القراء أو المداراة أو غيرها.

- الثانية: قولك: «إن مفردة «الغلام» تطلق عادة على الصبي المميز والذي يترواح عمره ما بين 10ـ15 سنة كما صرح بعضهم بذلك» غريب جداً، فمن أين أتيت به؟ وأيّ كتاب لغوي نص على ذلك؟ ومن هذا البعض الذي نص على ذلك ولم تذكره؟ وهل أن قوله حجة أم لا؟ ولو نص على ذلك (بعضهم) ممن لم تذكره، فهل هذا يعني انحصار اللفظ في الصبي المميز وعدم صحة إطلاقه على غيره؟

تعال أولاً إلى لغة العرب: فالعرب تقول في كلامها: ولد لي غلام، وولدت لي جارية، فهل وُلدوا في سن العاشرة أو أكثر مثلاً؟ وهل تلده العربية ابنها وهو في الثالث الابتدائي أو أنهى المتوسطة مثلاً وهو في بطنها؟

في مسند أحمد: عن أبي موسى قال: (وُلد لي غلام)، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة...(1)، وفي البخاري: عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: (وُلد لرجل منا غلام) فسماه القاسم، فقالت الأنصار لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عيناً. فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله (ولد لي غلام) فسميته القاسم...(2)، ومثله الكثير الكثير في كلام العرب، فمن أين جئت بقولك هذا: تُطلق عادة على الصبي المميز والذي يترواح عمره ما بين 10 ـ 15 سنة؟

ثم تعال إلى القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿ قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً . قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا ﴾(3)، وقال جل شأنه: ﴿ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى ﴾(4)، وهو كثير أيضًا في القرآن الكريم، ولا حاجة للمزيد.

ثم تعال إلى قواميس اللغة، فقد نصوا على النقيض من كلامك تمامًا، إذ أكدوا أن الغلام تطلق في الأصل على الصغير، لا على الكبير، جاء في المصباح المنير: الغلام الابن الصغير (..) قال الأزهري: وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكراً (غلام) وسمعتهم يقولون للكهل غلام وهو فاشٍ في كلامهم (5)، وفي المحيط في اللغة: شَهْدَرَتِ الجاريةُ والغلامُ: وهو أن يتحركا ما بين ثلاث سنين إلى ست(6)، وفي فقه اللغة للثعالبي فصل جميل تحت عنوان: فصل في ترتيب سن الغلام. روى فيه عن ابن الأعرابي قال: «يقال للصبي إذا ولد: رضيع‏، و طفل‏؛ ثم‏ فطيم‏؛ ثم‏ دارج‏؛ ثم‏ حفر؛ ثم‏ يافع‏؛ ثم‏ شرخ‏؛ ثم‏ مطبخ، ثم كوكب»، وذكر بعده فصلاً آخر قال: «ما دام في الرحم، فهو: جنين‏. فإذا ولد، فهو: وليد، ما دام لم يستتم سبعة أيام‏ فهو: صديغ‏؛ لأنه لا يشتد صدغه إلى تمام السبعة، ثم ما دام يرضع، فهو: رضيع‏. ثم إذا قطع عنه اللبن، فهو: فطيم‏. ثم إذا غلظ وذهبت عنه ترارة الرضاع، فهو: جحوش»، وهكذا أسهب في تعداد مراحل انتقاله من سن إلى سن وبيان أسمائها، ثم قال: «واسمه في هذه الأحوال التي ذكرنا (غلام)»(7).

وبهذا يتبين أن لفظ الغلام يطلق على الصبي منذ ولادته، بل هي الأصل، فمن أين جئتم بهذه الدعوى أنه يطلق على الصبي المميز؟ والأغرب من ذلك أنه أحال بعض المعلقين إلى كتب الفقه لقراءة فصل: طلاق الغلام، ولا أدري لِمَ هذه الإحالة على هذا المورد بالذات؟ ففي كتب الفقه أيضًا العديد من الفتاوى التي وردت فيها لفظة الغلام وتعني الصبي الصغير، لا سيما الوليد منه، وكذلك الروايات ذات العلاقة أيضًا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما ورد في تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي في أحكام الوصية للعهد وشبهه: «..وإن قال: إن كان في بطنها غلام فله ديناران، وإن كان فيه جارية فلها دينار، فولدت غلاماً وجارية، فلكل واحد منهما ما وصى له به لوجود الشرط»(8)، وهو كثيرٌ جدًا لا يسع المجال للمزيد، وأما في كتب الروايات فهو كثير لمن شاء.

فلا أدري: هل درس هؤلاء المشككون اللغة العربية بما يتناسب مع تشكيكهم؟ وهل اطّلعوا على فقه اللغة وأدب العرب وأساليبهم في الكلام ومعاريض كلامهم؟ بل هل اطلعوا على كتب الفقه وعبارات الفقهاء؟ وأين مباحث الألفاظ التي درسوها في المنطق وأصول الفقه؟ والأغرب من ذلك كله: أين هم عن كتاب الله تعالى؟ أم أنهم تصدوا لمواقع ليست لهم، وسلكوا طريق: خالف تعرف؟ نسأل الله العافية.


------------------
(1) مسند أحمد 4: 399.
(2) صحيح البخاري 4: 49.
(3) سورة مريم: 19 ـ 20.
(4) سورة مريم: 7.
(5) المصباح المنير 2: 121.
(6) المحيط في اللغة 4: 121.
(7) فقه اللغة: 133-134.
(8) تذكرة الفقهاء 2: 461.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟