معارضة الحسين (ع) لصلح الحسن (ع) مناقشة علمية


المقدمة:


يمثل [ صلح الإمام الحسن عليه السلام ] الامتحان الأكبر ليس فقط لمن عاصره في زمانه، بل يستمر هذا الامتحان حتى لشيعته ومواليه في الزمان المعاصر.


النجاح في الامتحان في [ زمن الصلح ] تمثل في الانقياد التام لموقف القيادية الشرعية [ المعصومة ]، بينما النجاح في ذات الامتحان في هذا الزمان فهو مرهون  [بالمعرفة العقائدية ] لمنصب الإمامة وحقيقة العصمة، إما من خلال الرجوع لنتاجات (العلماء المحققين) أو امتلاك حصيلة علمية [وازنة ] تقي الإنسان من الشطط في القول أو اعوجاج الفكر.


سؤال:


وهنا السؤال: هل عارض الإمامُ الحسين (عليه السلام) الأمامَ الحسن (عليه السلام) في صلحه؟؟


بعضٌ يدعي - اشتباها - وجود معارضة في الموقف بين الحسن ( المصالح ) والحسين ( الثائر ) في زمن الصلح لا في زمانين مختلفين، وكأن المصالحة منهج حسني ثابت والثورة منهج حسيني ثابت، لا أنهما مجرد أدوار متغيرة تحتمها الظروف الموضوعية لخدمة الهدف الواحد المشترك والثابت عند كلا المعصومين ( عليهما السلام).


وقد استدل بروايتين [ غير نقيتين سندا ] - لعامّية إحداهما وضعف ثانيهما بجهالة الراوي الذي سمع من الإمام ( عليه السلام )-.


والمهم منهما [ ثاني الروايتين ] وهي ما ذكرها [ الكشي في رجاله ]، وقد ورد فيها حينما طُلب من قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المبايعة: 


( ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا قَيْسُ فَبَايِعْ فَالْتَفَتَ إِلَى الْحُسَيْنِ (ع) يَنْظُرُ مَا يَأْمُرُهُ، فَقَالَ يَا قَيْسُ إِنَّهُ إِمَامِي يَعْنِي الْحَسَنَ (ع)).


 ووجه استدلال المستدل أن قيسا كان ينتظر أمر الحسين عليه السلام ولم يكترث لموقف الحسن عليه السلام، والحسين عليه السلام أجابه أنه مكره للبيعة لأن الحسن عليه السلام إمامه وهو في حرج من أمره، وفي ذلك إيحاء بمعارضة الحسين عليه السلام لأخيه الحسن عليه السلام في موفقه من الصلح.


جواب:


والجواب عن هذا الاستدلال بعدة وجوه:


الأول: ضعف الرواية سندا بالفضيل غلام محمد ابن راشد، حيث لم يرد له توثيق في كتب الرجال.


الثاني: مبايعة الحسن والحسين عليهما السلام [ معا]  كما صرحت بذلك  الرواية، فموقفهما  من الصلح [ كمعصومين] واحد بنص الرواية.


الثالث: عدم ظهور الرواية في [ معارضة الحسين عليه السلام لأخيه الإمام الحسن عليه السلام في الصلح]، والظاهر من ذيلها - بعد التفات قيس للإمام الحسين عليه السلام - أن كلام الإمام الحسين عليه السلام هو في سياق بيان ضرورة الإنقياد للإمام المعصوم ( عليه السلام ) وعدم التخلف عن موقفه، فالرواية على الإنقياد أظهر وأوضح دلالة من المعارضة.


الرابع: أيضا روى الكشي في رجاله رواية أخرى لنفس الحادثة، حيث قال: (فنظر قيس إلى الحسن عليه السلام فقال : يا أبا محمد بايعت ؟ ....- إلى أن قال - : ( فقام إليه الحسن عليه السلام وقال له : بايع يا قيس ، فبايع ).

من دون الإشارة إلى التفات قيس للحسين عليه السلام.


فلعل المسألة ترتبط بتردد قيس بن سعد في الموقف من الصلح، ولا مدخلية لاحتمال معارضة المعصوم للمعصوم.


خامسا: ما معنى كون الإمام الحسين عليه السلام [ كارها للصلح ] كما صرح المستدل بذلك؟


إن كان المقصود القبول به [على مضض] فهو كقبول الإمام الحسن عليه السلام، فقد كان [ على مضض] حتمته الظروف الموضوعية، مع علمه بالعواقب والنتائج.


أما حمل كون الإمام الحسين عليه السلام [ كارها للصلح ] على المعارضة لموقف الإمام الحسن عليه السلام ، فهو شطط من القول بان رده مما سلف.


ختاما: الصلح في ظرف والثورة في ظرف آخر حقيقته [ تعدد أدوار ووحدة هدف].



عصمنا الله من الزلل وأخذ بأيدينا إلى سبيل الهدى والرشاد

تعليقات

  1. أبو محمد علوي3 سبتمبر 2020 في 11:19 م

    جزاكم الله خيرا وزادكم علما وفهما رد واضح وعلمي وحجج قاطعة وفي المتناول

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»