البكاء المقدس


 إذا راجعنا التاريخ وراجعنا النصوص الشريفة نعلم أن أهل البيت عليهم السلام تعمدوا تخليد قضية الحسين بشتى الطرق ومنها الحزن، ولولا ذلك لما وصلنا منها شيء فهي من أكثر القضايا التاريخية التي حوربت إعلامياً محاربة شديدة وواجهت تضليل إعلامي منذ يومها الأول

فقال قائلهم الحسين خرج عن أمر ربه فقتل بسيف جده، وقال آخر هؤلاء خوارج، ولحد اليوم لازالت هذه الواقعة محاربة وأنت يامن تعترض عليها مصداق لمن يحاربها، فلا أدري ما يضرك من البكاء على شخص بعظمة أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟ الذي مات لأجل مبادئ شريفة سامية وسطر أشرف ملحمة من دمائه الزكية الطاهرة؟


إن العين لتبكي عليه لا إرادياً لمصابه الجلل كما قال الشاعر: 


تبكيك عيني لا لأجل مثوبةً     لكنما عيني لأجلك باكية(1)


ولأجل الحفاظ على قدسية هذه الدماء الطاهرة والمبادئ التي سفكت لأجلها، حافظ الأئمة الأطهار عليها وخلدوها بأرقى أنواع الفن وهو فن الحزن فوردت الروايات الشريفة في فضل الجزع والبكاء بل وحتى التباكي لمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فورد 

1-عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال: قال الرضا عليه السلام: (من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)(2)


2-عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السّلام ــ في حديث طويل لـه ــ: (ومن ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عزّ وجلّ، ولم يرض له بدون الجنّة) (3)


3-عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: كان عليّ بن الحسين عليهما السّلام يقول: (أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام حتّى تسيل على خدّه بوّأه الله تعالى بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه فيما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوّأ صدق، وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى تسيل على خدّه من مضاضة أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار).(4)


4-وعن الريّان بن شبيب أن الإمام الرضا عليه السّلام قال له:

يا ابن شبيب! إن كنتَ باكياً لشيءٍ فابكِ للحسين بن عليّ عليهما السّلام؛ فإنّه ذُبح كما يُذبح الكبش، وقُتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلاً ما لَهُم في الأرض شبيهون. ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله -إلى أن قال- :

يا ابن شبيب! إن بكيتَ على الحسين عليه السّلام حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر الله لك كلّ ذنب أذنبتَه؛ صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً.

يا ابن شبيب! إنْ سَرَّك أن تلقى الله عزّوجلّ ولا ذنب عليك فَزُر الحسين عليه السّلام. يا ابن شبيب! إن سَرَّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ «صلّى الله عليه وآله» وآلهِ فالعَنْ قتلة الحسين.


يا ابن شبيب! إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لِمَن استُشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرتَه: يا ليتني كنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظيماً!

يا ابن شبيب! إن سَرَّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجِنان فاحزَنْ لحزننا، وافرَحْ لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أنّ رجلاً أحبّ حَجراً لحشره الله معه يوم القيامة.(5)


5-وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(ع) أنه قال في حديث: (كل جزع مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين عليه السلام)(6)


6-وجاء في التباكي عن أبي عبد الله (ع) في حديث: (ومن أنشد الحسين (ع) شعراً فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة)(7)


والروايات في هذا الشأن كثيرة جداً قد تصل لحد التواتر وقد ذكرت نزراً يسير منها، ولم يجعل الله هذا الثواب الجزيل والجزاء العظيم لفضل الحزن على الحسين (ع) إلا لعظم القضية التي ضحى لأجلها بدمائه الزكية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-هذا البيت من قصيدة المشهورة بالقصيدة المقبولة للشاعر الكبير الشيخ محمد علي الأعسم رحمه الله مطلعها:

قد أوهنت جلدي الديارُ الخالية        من أهلها ما للديارِ وماليه

2-أمالي الصدوق المجلس 17

3-كامل الزيارات: ٢٠٢، باب ٣٢

4- ثواب الأعمال: ١١٠

5-عيون أخبار الرضا (ع)

6-- وسائل الشيعة916-2

7-كامل الزيارات 209الباب(33)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟