أهل البيت عليهم السلام وتعميق الارتباط بسيّد الشهداء عليه السلام
السيد محمد الموسوي العاملي
من يتتبّع أحاديث أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم المتعلّقة بسيّد الشهداء عليه السلام يُدرِك أنّهم أرادوا ربطنا بسيّد الشهداء عليه السلام، وخلق علاقة خاصّة بيننا وبينه عليه السلام، ويتوضّح ذلك عبر بعض النقاط:
المؤمن عند ذكر سيّد الشهداء عليه السلام:
تشير روايات عديدة (1) إلى أنّ سيّد الشهداء عليه السلام «عَبرة كلّ مؤمن»، و«لا يذكره مؤمن إلّا بكى»، وهذا يبيّن العلاقة الخاصّة للمؤمن مع مولاه الذبيح صلوات الله عليه، فليست من سنخ أيّ علاقة أخرى مع بقيّة المعصومين عليهم السلام، هي علاقة تشتدّ فيها العاطفة والحنين، ومن مناشئها حرارة - لا تشبه أيّ حرارة مادّيّة - استودعها الله في قلب عباده المؤمنين لا تبرد أبدًا، وتشبّ عند ذكره صلوات الله عليه.
وحتى الأئمّة عليهم السلام ورد أنّهم كانوا يبكون عند ذكر سيّد الشهداء عليه السلام ويتغيّر حالهم (2)، فالمؤمن يتأسّى أيضًا بسيرة ساداته عليهم السلام.
زيارة سيّد الشهداء عليه السلام في المناسبات المخصوصة:
من يراجع الأعمال العباديّة في المناسبات الإسلامية المختلفة يلاحظ تكرّر استحباب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام فيها (3)، في يوم عرفة، وفي النصف من شعبان، وفي النصف من رجب وفي الأول منه، وفي غيرها، وقد وردت زيارات مخصوصة بنصوص مختلفة.
الحثّ على زيارة سيّد الشهداء عليه السلام من قبل المعصومين عليهم السلام:
وذلك من خلال طرق عديدة، كبيان ثواب الزيارة العظيم (4)، وبيان فضل الحائر الحسينيّ وقدسيّته (5) ، والحثّ المباشر على الزيارة (6)، وذمّ تاركها (7) ، كلّ ذلك وغيره دلّت عليه الأحاديث الكثيرة.
زيارة عاشوراء:
هذه الزيارة المقدّسة التي هي موضع عناية علمائنا الكبار، والتي لطالما اهتمّوا بالمواظبة اليوميّة عليها، والتي ثبت علوّ شأنها بالأسانيد وبالتجارب والعجائب الكثيرة، هذه الزيارة يقول عنها الإمام الباقر عليه السلام بعد ذكره لِنَصِّها: «إن استطعتَ أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دهرك فافعل..» (8). كما وورد مثل هذا الحديث في الزيارة من بعيد عمومًا (9) .
فماذا يعني كلّ هذا؟
إذا ضممنا حال المؤمن عند ذكر سيّد الشهداء عليه السلام إلى رواية الإمام الباقر عليه السلام وشبيهاتها نخرج بنتيجة: المؤمن يبكي كلّ يوم على سيّد الشهداء عليه السلام.
وإذا نظرنا إلى الحثّ الشديد على زيارة سيّد الشهداء عليه السلام نخرج بنتيجة أخرى: المؤمن زوَّار لسيّد الشهداء عليه السلام، أي يُكثر من زيارته عليه السلام، وهذا المعنى ورد في حديثٍ عن الإمام الباقر عليه السلام (10).
إذًا هذه هي شخصيّة المؤمن التي تتكوّن نتيجة العمل بتوصيات الأئمّة عليهم السلام، شخصيّة لها علاقة وطيدة وخاصّة بسيّد الشهداء عليه السلام، والعلاقة الصحيحة بالمعصومين عليهم السلام تقرّب الإنسان من الله تعالى، وكلّما اشتدّت هذه العلاقة اشتدّ قرب العبد من الله، حتى ينال أخيرًا الحشر مع الأطهار عليهم السلام، وذلك هو الفوز العظيم.
ومن اللافت اختصاص سيّد الشهداء عليه السلام بصفات معيّنة، أذكر لذلك شاهدًا:
•ورد في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «إنَّ الحُسَينَ بنَ عَليٍّ عليه السلام في السَّماءِ أكبَرُ مِنهُ فِي الأَرضِ؛ وإنَّهُ لَمَكتوبٌ عَن يَمينِ عَرشِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: مِصباحُ هُدىً، وسَفينَةُ نَجاةٍ» (11).
لا شكّ أنّ جميع المعصومين عليهم السلام سفن نجاة ومصابيح هدى، ولكن تميَّزَ سيّد الشهداء عليه السلام باشتداد هذه الصفة في وجوده المبارك، فكما أنّ ارتباط المؤمنين به عليه السلام وثيق، هو أيضًا قد فتح لهم سفينته وقال لهم اصعدوا، فما عذر من فتح الله له هذا الباب من الرحمة الواسعة ثم تخلّف عن دخوله؟
هذا شهر محرّم قد أقبل، وهو فرصة يجب استغلالها لركوب سفينة سيّد الشهداء عليه السلام والحرص على البقاء فيها إلى يوم خروج آخر نفس من صدورنا، لا أن ننزل من السفينة بعد يوم عاشوراء مباشرةً!
نسأل الله أن يوفّقنا لذلك بحق المولى أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه.
_________________________
1- راجع: كامل الزيارات، طبعة دار الحجّة، الباب ٣٦.
2- راجع: المصدر نفسه، الباب ١٦، و٣٥، و٣٦.
3- راجع: المصدر نفسه، الباب ٧٠، و٧٢، و٧٣.
4- راجع: المصدر نفسه، الباب ٤١، و٤٢، و٤٤-٤٦، و٤٩-٦٩.
5- راجع: المصدر نفسه، الباب ٣٨، و٣٩، و٨٨-٩٠.
6- راجع: المصدر نفسه، الباب ٢٧، الحديث ١، والباب ٣٧، و٤٣، والباب ٨٨، الحديث ٩.
7- راجع: المصدر نفسه، الباب ٧٨، و٩٧.
8- المصدر نفسه، الباب ٧١، الحديث ٨.
9- راجع: المصدر نفسه، الباب ٩٦.
10- المصدر نفسه، الباب ٧٨، الحديث ٤.
11- عيون أخبار الرضا عليه السلام، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الجزء ١، الباب ٦، الحديث ٢٩.
تعليقات
إرسال تعليق