دفع شبهة دموية القيام المهدوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا
و نبينا محمد و آله الطيبين الطاهرين، وبعد
..
فقد أثار بعض الكتاب شبهة حول النهج المهدوي السلمي
الحسن والموافق للحكمة في تحقيق دولة العدل و الصلاح في آخر الزمان ، واستشهد على ذلك
بطوائف من الروايات ، منها :
الطائفة الأولى:
ما دل على أنه يستأصل أنساباً خاصة و سلالات معينة، وينتقم من بعض الناس، ومن ذلك ما
عن الهمداني عن علي عن أبيه عن الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام): يا
ابن رسول الله، ما تقول في حديث روي عن الصادق ( عليه السلام) أنه قال إذا خرج القائم
قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام) بفعال آبائها؟! فقال (عليه السلام) هو كذلك. فقلت
: وقول الله عز وجل (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)، ما معناه؟! قال (عليه السلام)
: صدق الله في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها
ومن رضي شيئا كان كمن أتاه ولو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي
عند الله عز وجل شريك القاتل وإنما يقتلهم القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إذا
خرج لرضاهم بفعل آبائهم (1)، و عن أبي حمزة
ثابت بن دينار الثمالي، قال: سألت أبا جعفر محمّد الباقر (عليه السلام)، فقلت: يا
ابن رسول الله، لم سمّي علي (عليهالسلام) أمير المؤمنين، وهو اسم لم يسمّ به أحد قبله،
ولا يحلّ لأحد بعده؟ فقال : لأنّه ميرة العلم ، يمتار منه، ولا يمتار من أحد سواه،
قلت : فلم سمّي سيفه ذا الفقار؟ قال : لأنّه ما ضرب به أحدا من أهل الدنيا إلّا أفقره
به أهله وولده، وأفقره في الآخرة الجنّة، فقلت: يا ابن رسول الله، ألستم كلّكم قائمين
بالحقّ؟ قال : لمّا قتل جدّي الحسين (عليهالسلام) ضجّت الملائكة بالبكاء والنحيب،
وقالوا: إلهنا! أتصفح عمّن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك، فأوحى الله إليهم:
قرّوا ملائكتي، فو عزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف لهم عن الأئمّة
من ولد الحسين ، فسرّت الملائكة بذلك، ورأوا أحدهم قائما يصلّي، فقال سبحانه: بهذا
القائم أنتقم منهم (2).
الطائفة الثانية : ما
دل على أنه يظهر بالسيف و يسير بالقتل، فعن سعيد بن جبير ، قال : سمعت سيّد العابدين
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهمالسلام) يقول : في القائم سنن من سبعة أنبياء
: سنة من أبينا آدم ، وسنّة من نوح ، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسى ، وسنّة من عيسى
، وسنّة من أيّوب ، وسنّة من محمّد (صلوات الله عليهم) ، فأمّا من آدم ونوح فطول العمر
، وأمّا من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى فالخوف والغيبة ،
وأمّا من عيسى فاختلاف الناس فيه ، وأمّا من أيّوب فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من محمّد
فالخروج بالسيف (3). وعن علي بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليهالسلام) أنّه قال في قول
الله عزوجل: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ
تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) ، فقال (عليهالسلام) : الآيات هم الأئمّة، والآية المنتظرة
القائم (عليهالسلام) ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف
وإن آمنت بمن تقدّمه من آبائه (عليهمالسلام) (4)، وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليهالسلام)
قال : قلت له: صالح من الصالحين، سمّه لي اريد القائم (عليهالسلام)، فقال: اسمه اسمي،
قلت: أيسير بسيرة محمّد (صلىالله عليهوآله وسلم)؟ قال : هيهات هيهات يا زرارة!
ما يسير بسيرته، قلت : جعلت فداك لم؟ قال : إنّ رسول الله سار في امته باللين [بالمنّ
ـ خ] كان يتألّف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذاك أمر في الكتاب الّذي معه أن يسير
بالقتل، ولا يستتيب أحدا، ويل لمن ناواه (5) ، و عن الحسن بن هارون بيّاع الأنماط،
قال : كنت عند أبي عبد الله (عليهالسلام) جالساً، فسأله المعلّى بن خنيس: أيسير القائم
إذا قام بخلاف سيرة علي (عليهالسلام)؟ فقال: نعم ، وذاك أنّ عليّا سار بالمنّ والكفّ؛
لأنّه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم من بعده، وأنّ القائم اذا قام سار فيهم بالسيف والسبي،
وذلك أنّه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً (6).
الطائفة الثالثة : ما دل على أنه يكثر القتل وفي أصناف متعددة من الناس
كأهل الكوفة والعلماء، ففي خطبة (البيان) المنسوبة لأمير المؤمنين (عليه السلام):
"وينتقم من أهل الفتوى في الدين لما لا يعلمون فتعسا لهم ولأتباعهم أكان الدين
ناقصا فتمموه أم كان به عوج فقوموه أم الناس هموا بالخلاف فأطاعوه أم أمرهم بالصواب
فعصوه أم وهم المختار فيما أوحي إليه فذكروه أم الدين لم يكمل على عهده فكملوه. فاذا
خرج القائم من كربلاء وارد النجف والناس حوله، قتل بين كربلاء والنجف ستة عشر ألف فقيه،
فيقول من حوله من المنافقين: انه ليس من ولد فاطمة وإلا لرحمهم، فإذا دخل النجف وبات
فيه ليلة واحدة: فخرج منه من باب النخيلة محاذي قبر هود وصالح استقبله سبعون ألف رجل
من أهل الكوفة يريدون قتله فيقتلهم جميعاً فلا ينجي منهم احد" (7)، وعن أبي بصير
، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب
قدامه بالسيف وهو قضاء آدم (عليه السلام) فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الثانية فينكرها
قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء داود (عليه السلام) فيقدمهم أعناقهم ثم
يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم (عليه السلام)
فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلى الله عليه و آله) فلا ينكرها
أحد عليه (8).
الطائفة الرابعة
: ما دل على أنه يأخذ الشدة ويرعب الناس،
ومن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه يقول : يخرج (يعني : المهدي عليهالسلام)
في اثني عشر ألفا إن قلّوا أو خمسة عشر ألفا إن كثروا ، فيسير الرعب بين يديه، لا يلقاه
عدوّ إلّا هزمهم بإذن الله، شعارهم: أمت أمت ، لا يبالون في الله لومة لائم ، فيخرج
إليهم سبع رايات من الشام فيهزمهم ... الحديث (9). ، وما روي عبدالله بن سنان ، عن
أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : إذا خرج القائم (عليه السلام) لم يكن بينه وبين
العرب والفرس إلا السيف لا يأخذها إلا بالسيف ولا يعطيها إلا به (10).
ومفاد هذه الروايات يتنافى مع الرحمة التي يقتضيها مقام
خلافة الله تعالى ، فإن الله عز وجل واسع الرحمة وخليفته لا يكون إلا رحيماً.
جواب الشبهة بذكر أمور:
وفي مقام الجواب على هذه الشبهة أذكر أموراً:
الله تعالى أن يهلك من يشاء مباشرة أو بواسطة:
الأمر الأول : من
الأمور الثابتة أن الله تعالى يميت جميع الناس، وقد قدر تعالى هذه الدار، وهي تنتهي
بانتهاء قدرها، يقول تعالى : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي
لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
الزمر 42.
كما أنه تعالى من يجري جميع الأسباب الطبيعية و منها
الزلازل والبراكين المهلكة للقبائل و القاطعة للأنساب، وأخبرنا القرآن عن استئصاله
لمجتمع كامل في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ
وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ
إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) البقرة 243.
وهو من أنزل عذاب الاستئصال على أمم خلت فلم يبق منهم
أحداً، يقول تعالى: (فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ) و (فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ
فِي ٱلْيَمّ) الأعراف:136، و(فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ) الأنبياء:77، و(فَأَعْرَضُواْ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ
ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ
بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ) سبأ:16-17، و(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) الحاقة: 6، و(فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)
فصلت:16، (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا
عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
الأحقاف:24 ، و(كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ * تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ
أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ) القمر:18-20، (ووَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ
فَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ) هود:67، و (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ
صَيْحَةً وٰحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ) القمر:31، و (فَمِنْهُم مَّن
أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً) العنكبوت:40، (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـٰصِباً
إِلاَّ الَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ) القمر:34 ، و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا
حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مَّنْضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِى مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ
بِبَعِيدٍ) هود:82، 83، و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ
* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ
* تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ) الفيل:1-4، و (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ
ٱلأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ
ٱلْمُنتَصِرِينَ) القصص:81، و (وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ) العنكبوت:40 .
فهل الله تعالى مرتكب للقبيح في كل هذا؟!
الجواب: كلا، لأن الله تعالى مالكٌ للخلق ويتصرف في
ملكه، فهو لا يظلم بالتعدي على ملك غيره. نعم، ما ينزله الله من ألمٍ على الخلق ينقسم
إلى قسمين:
الأول :
ما لا يكون بعنوان العقوبة، وإنما هو من مقتضيات النظام الأكمل في الوجود، وهذا ليس
قبيحاً؛ لأنه تصرف من مالك، و ليس فيه بخس لحق أحد وهو لمصالح أهم .
الثاني:
ما يكون بعنوان العقوبة ، وحيث إن العقاب لا يكون إلا للمسيء، فيقبح أن ينزل الله الألم
بعنوان العقاب و الجزاء على من لم يرتكب ما يوجب العقاب، والله تعالى إنما يعاقب الظالمين
المستحقين فقط.
وإذا جاز لله تعالى أن يعاقب باستئصال قوم أو عرق أساء
السوء و ارتكب ما يستحق العقاب، فإنه يجوز لله تعالى أن يفعل ذلك مباشرة أو بواسطة
غيره كما في اهلاك أصحاب الفيل حيث جعل الطيور واسطة، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ
فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ)الفيل:1-4 .
و كما يجوز لله أن يستأصل بواسطة الطيور يجوز له أن
يفعل ذلك بواسطة الإمام المهدي (عليه السلام)، فأي محذور في أن يقتل الله بالمهدي (عليه
السلام) كل من على الأرض إذا كان كلهم مسيئين مستحقين للعقاب؟!
بعض الروايات ضعيفة فلا يثبت مضمونها الخاص:
الأمر الثاني : كثير
من الروايات التي تقدمت ليس صحيحة من الناحية السندية، فلا يمكن التعويل عليها في اإثبات
مضمونها المنفرد خصوصاً إذا التفتنا إلى أن أحوال نهضة الإمام المهدي (عليه السلام)
من المعارف التي لا يكتفى فيها بالظن، فعلى سبيل المثال من الروايات المتقدمة عبارة
خطبة البيان، وقد سُئل السيد الخوئي (قدس سره) عن هذه الخطبة فقال: "لا أساس لها
والله العالم"(11).
نعم ، لا شك في أن مجموع الروايات يفيد العلم بأن الإمام
(عليه السلام) سيقاتل و يقتل، و لكن هذا لا بأس فيه في نفسه إذا كان دفعاً للفساد والظلم
بتطبيق العدل و إرادة الله تعالى فإن بعض الأمراض يتعامل معها الأطباء بشدة في بعض
الأحيان قد تصل إلى البتر، وقد قال عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة 123، وقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ) التوبة: 111.
القتل لخصوص أعداء الله تعالى:
الأمر الثالث :
دلت
مجموعة من الروايات على أن الإمام الحجة (عليه السلام) لا يقتل كل الناس، وإنما خصوص
أعداء الله، فعن محمّد بن أبي عمير ، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (في
حديث) قال: "القائم لن يظهر أبدا حتّى يخرج ودائع الله عزوجل ، فإذا خرجت ظهر
على من ظهر من أعداء الله عزوجل فقتلهم" (12).
فالإمام (عليه السلام) يظهر على أعداء الله لا كل الناس،
وبهذا نعرف المراد من الروايات التي لا تحدد من يظهر عليه الإمام كما في ما روى إبراهيم
الكرخي، قال: قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) ـ أو قال له رجل ـ:أصلحك الله ، ألم
يكن عليّ (عليهالسلام) قويّا في دين الله عزوجل؟ قال : بلى ، قال : فكيف ظهر عليه
القوم، وكيف لم يدفعهم، وما يمنعه من ذلك؟ قال: آية في كتاب الله عز وجل منعته ، قال
: قلت : وأيّة آية هي؟ قال : قوله عزوجل : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)، إنّه كان لله عزوجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم
كافرين ومنافقين، فلم يكن عليّ (عليهالسلام) ليقتل الآباء حتّى يخرج الودائع، فلمّا
خرجت الودائع ظهر على من ظهر فقاتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتّى تظهر
ودائع الله عزوجل، فإذا ظهرت ظهر على من يظهر فقتله" (13).
فإن المقصود من (ظهر على من يظهر فقتله) أي ظهر على
أعداء الله تعالى ، ويدل على ذلك الروايات الكثيرة الدالة على أنه يسير بسيرة رسول
الله (صلى الله عليه و آله) وسيرته ليس قتال جميع الناس وإنما الدعوة بالحكمة والموعظة
الحسنة، وقتال المعاند المحارب للحق، فعن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا جعفر (عليه
السلام) عن القائم ـ عجّل الله فرجه ـ إذا قام بأيّ سيرة يسير في الناس؟ فقال : بسيرة
ما سار به رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يظهر الإسلام، قلت : وما كانت سيرة
رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال : أبطل ما كان في الجاهليّة واستقبل الناس
بالعدل، وكذلك القائم (عليهالسلام) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة ممّا كان في أيدي
الناس، ويستقبل بهم العدل" (14).
ويؤيد هذا أيضاً بعض الروايات التي دلت على أنه كان
لا يقتل من المتعدين إلا القتلة ولا يقتل غيرهم، فعن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر
(عليهالسلام) ، قال: يخرج القائم فيسير حتّى يمرّ بمرّ ، فيبلغه أنّ عامله قد قتل،
فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ولا يزيد على ذلك شيئاً، ثمّ ينطلق فيدعو الناس حتّى ينتهي
إلى البيداء ، فيخرج جيشان للسفياني ، فيأمر الله عزوجل الأرض أن تأخذ بأقدامهم ، وهو
قوله عزوجل : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ
وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) (15).
وبهذا نظفر بقرينة تقيد الروايات الدالة على قتل ذرية
من قتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهي أن المقصود منهم من كان من أعداء الله تعالى،
فيكون الاطلاق غير مقصود، و من الواضح أن بعض الإطلاقات غير مقصودة، ومن ذلك قوله تعالى:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله
ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو
فضل عظيم )، فليس المقصود فيها أن كل الناس قالوا لكل الناس، وإنما المقصود كما ذكر
المفسرون قول واحد لجماعة، قال الفخر الرازي : " المسألة الأولى : هذه الآية نزلت
في غزوة بدر الصغرى، روى ابن عباس أن أبا سفيان لما عزم على أن ينصرف من المدينة إلى
مكة نادى : يا محمد موعدنا موسم بدر الصغرى فنقتتل بها إن شئت، فقال عليه الصلاة والسلام
لعمر: قل بيننا وبينك ذلك إن شاء الله تعالى، فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه
حتى نزل بمر الظهران، وألقى الله تعالى الرعب في قلبه، فبدا له أن يرجع، فلقي نعيم
بن مسعود الأشجعي وقد قدم نعيم معتمرا، فقال : يا نعيم إني وعدت محمدا أن نلتقي بموسم
بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن، وقد بدا
لي أن أرجع، ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاد بذلك جراءة، فاذهب إلى المدينة فثبطهم ولك
عندي عشرة من الإبل، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: ما هذا بالرأي ، أتوكم
في دياركم وقتلوا أكثركم فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد، فوقع هذا الكلام في قلوب
قوم منهم، فلما عرف الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك قال: " والذي نفس محمد بيده
لأخرجن إليهم ولو وحدي" ثم خرج النبي صلى الله عليه [وآله]وسلم ، ومعه نحو سبعين
رجلا فيهم ابن مسعود، وذهبوا إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى، وهي ماء لبني كنانة، وكانت
موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام، ولم يلق رسول الله صلى الله عليه[وآله]
وسلم وأصحابه أحدا من المشركين ، ووافقوا السوق ، وكانت معهم نفقات وتجارات، فباعوا
واشتروا أدما وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين،
ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق، وقالوا : إنما خرجتم لتشربوا
السويق، فهذا هو الكلام في سبب نزول هذه الآية" (16).
فهنا أطلق لفظ الناس و قصد به نعيم بن مسعود الأشجعي،
وكذلك الحال في مثل (إذا خرج القائم قتل ذراري قتلة الحسين (عليه السلام ) بفعال آبائها)
، فإن المقصود خصوص العدو المنكر للحق، ولهذا ورد في الرواية (فقلت: وقول الله عز وجل
( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى )، ما معناه. قال ( عليه السلام ): صدق الله
في جميع أقواله، ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها)، فإن افتخارهم
كاشف عن رفضهم الصريح المعلن لدولة العدل بتبني شعارات معارضة تشرعن الظلم وسفك الدماء.
إذن ، لا يَقتلُ إلا من يستحق، ولهذا نقل في حلية الأبرار
عن محمد بن الحسن الشيباني في كشف البيان قال: روي في أخبارنا عن أبي جعفر وأبي عبد
الله عليه السلام ، أن هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان، ويبيد الجبابرة
والفراعنة، ويملك الأرض شرقاً وغرباً، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً (17).
لابد من دراسة حيثيات الواقع جميعاً:
الأمر الرابع : من
الخطأ أن نلحظ روايات الخروج بالسيف واستخدام الشدة و الغلظة، ثم نعطي نتيجة بأن مشروع
الإمام (عليه السلام) مشروعاً دموياً، بل لا بد من دراسة جميع حيثيات و أحدات عصر الظهور
، فلعل أعداء الإمام (عليه السلام) كالجيش النازي في جرائمه وعدم مراعاته للحدود، أو
كالدواعش الذين لم يتركوا فضيعة إلا فعلوها ولا رادع لهم يومئذ إلا السيف ، فهل يلام
تحالف العالم المطالب بالعدل في استعماله للشدة مع النازيّة والدواعش؟!
ولو راجعنا روايات أحوال أعداء الإمام وظروف زمانه نرى
العجب العجاب، ففي كتب العامة عن أبي هريرة، قال: قال رسول (الله صلّى الله عليه [وآله]
وسلّم) : يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامّة من يتّبعه من كلب، فيقتل حتّى
يبقر بطون النساء، ويقتل الصّبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها حتّى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج
رجل من أهل بيتي في الحرّة، فيبلغ السفياني فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم ، فيسير
إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو إلّا المخبر
عنهم (18) .
و في كتبنا عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله
عليه السلام وقد ذكر القائم فقلت: "إني لأرجو أن يكون أمره في سهولة، فقال:
لايكون ذلك حتى تمسحوا العلق والعرق"(19).
أغلب أهل الأرض يكونون معه:
الأمر الخامس:
دلت روايات على أن أغلب أهل الأرض مع الإمام
(عليه السلام )، وهذا يعطينا نتيجة أن الحجة (عليه السلام) سوف يستأصل الظالمين المانعين
من تحقيق إرادة الله تعالى، وليس هم كل الناس، فإن أغلب الناس سيكونون معه، وإنما القتال
مع من يجحد الحق ويعادي، وأما من يقبل الإمام (عليه السلام) وينصره، فلا يقاتله ولا
يحاربه، بل من المحتمل أن يقر حكمه و يعزز أمره ولا يغير عليه نعمة، وبعض الروايات
تدل على أن أغلب الناس ينهجون نهجه و يقبلون دعوته، لأنه يكمل عقولهم، ففي تفسير العيّاشي:
عن رفاعة بن موسى، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) قال: إذا قام القائم عليه السلام
لا يبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله"(20).
وفي تاريخ ابن عساكر : "إذا قام قائم أهل محمّد
(صلىالله عليه وآله وسلم) جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع
قزع الخريف، فأمّا الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأمّا الأبدال فمن أهل الشام (21).
وعن ابن أبي يعفور ، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر عليهالسلام قال: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رءوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم"(22).
وعن ابن أبي يعفور ، عن مولى لبني شيبان، عن أبي جعفر عليهالسلام قال: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رءوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم"(22).
والنتيجة :
إن حركة الإمام (عليه السلام) حركة إلهية خاضعة لأمر الله تعالى فلا قبح فيها ما دامت
تُنزل العقاب على خصوص الظالمين ، وهم قلة من المتمردين بالقياس إلى سائر الناس.
والحمد لله رب العالمين
المصادر: (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب ٢٨ ، ح ٥.
(2) علل الشرائع: ج ١ ص١٦٠، ب١٢٩، ح١، و دلائل الإمامة:
ص ٢٣٩ .المصادر: (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب ٢٨ ، ح ٥.
(3) كمال الدين : ج ١ ص ٣٢١ ب ٣١ ح ٣.
(4) كمال الدين : ج ١ ص ٨ وج ٢
(5) غيبة النعماني : ص ٢٣١ ب ١٣ ح ١٤
(6) غيبة النعماني : ص ٢٣٢ ب ١٣ ح ١٦
(7) كتاب نور الانوار، المجلد الثالث ص 345.
(8) بحار الأنوار ج 52 ص389
(9) الفتن : ب خروج المهدي [عليهالسلام] من مكّة ص ١٨٦
(10) بحار الأنوار ج 52 ص389.
(11) صراط النَّجاة ج1ص 471 السؤال 1331.
(12) كمال الدين : ج ٢ ص ٦٤١
(13) كمال الدين : ج ٢ ص ٦٤١ و ٦٤٢
(14) التهذيب: ج ٦ ص ١٥٤ باب سيرة الإمام ح ١
(15) تأويل الآيات الظاهرة : ص ٤٦٧.
(16) التفسير الكبير ج9 ص101
(17) حلية
الأبرار ج2ص597
(18) المستدرك
وتلخيص المستدرك : ج ٤ كتاب الفتن والملاحم ص ٥٢٠
(19) الغيبة
للنعماني ص284.
(20) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ١٨٣ سورة آل عمران الآية ٨٣.
(20) تفسير العيّاشي : ج ١ ص ١٨٣ سورة آل عمران الآية ٨٣.
(21) تاريخ ابن عساكر : ج ١ ص ٦٢.
(22) الكافي : ج ١ ص ٢٥ كتاب العقل والجهل ح ٢١.
تعليقات
إرسال تعليق