كديور وتأليف الكافي
في سياق حديثه عن مصادر العقائد الدينية لدى الشيعة وتقييمها والنحو الذي ينبغي التعامل به معها، يخبرنا الدكتور كديور عن جزئية مهمةٍ ترتبط بتأليف كتاب الكافي الشريف، يقول الدكتور: "جمع الكليني في كتابه «الكافي» بجميع أجزائه (الأصول والفروع والروضة) ١٦،١٩٩ حديثًا. وخلال عشرين عامًا من العمل الشاق والجهد المضني، اختار ثقة الإسلام الكليني تلك الروايات الستة عشر ألف بدقة من أصل ثلاثمائة ألف حديث (..) قام الكليني بدراسة تلك الروايات الثلاثمائة ألف وتمحيصها وفحصها خلال عشرين عامًا، ثم اختار منها ستة عشر ألف رواية فقط، اعتبرها موثوقة، فدونها في كتابه، أي إن نسبة ما اختاره كانت حوالي ٥٪ فقط من مجموع الروايات التي كانت بحوزته. وبعبارةٍ أخرى: في القرن الرابع الهجري، كان ٩٥٪ من الروايات الموجودة غير موثوق به، ولا يصح الاعتماد عليه في نظر الكليني"(١)، هذا كلامه.
وهنا أسأل: من أين لك قضية الـ٣٠٠،٠٠٠ هذه يا دكتور؟! وهو مما لم يخطر حتى ببال الكليني نفسه (رضوان الله عليه)!
الأمر لا يخلو، إما يكون اعتمد فيه على ما حكاه عن ابن عقدة من مذاكرته بـ٣٠٠،٠٠٠ حديث استنادًا لكونه من مشايخه! وهذا إن كان، فهو ممّا لا ربط له بهذا المُدّعى،وهذا واضح، لكن لأذكر عدة وجوهٍ لا تخفى على مطالعٍ عارف: ابن عقدة ليس الطريق الوحيد لرواياتنا، بل وهو زيديٌ روى أحاديث الإمامية والسنة وغيرهما، ومذاكرة الأستاذ روايات ما لا تقتضي بالضرورة أخذ التلميذ جميعها عنه! بل إن الكليني ليس مِمَّن أكثر عن ابن عقدة في الكافي... إلخ. وكيفما كان، فهكذا استظهار يكشف عن ضعف القائل به.
فإن لم يكن ذلك استظهارًا مِمّا حكاه عن ابن عقدة، فلا أعرف سبيلاً آخر غير الوهم والخلط أو نسج الخيال!
ويعارض ما صاغه خلطه ووهمه -على أحسن المحامل- ما صرَّح به الكليني نفسه (رضوان الله عليه)؛ إذ قال في مقدمة كتابه «الكافي»: "ووسّعنا قليلاً كتاب الحجة وإن لم نكمله على استحقاقه؛ لأنَّا كرهنا أن نبخس حظوظه كلها. وأرجو أن يُسَهِّل الله (عزّ وجل) إمضاء ما قدّمناه من النية، إن تأخّر الأجل صنّفنا كتابًا أوسع وأكمل منه، نوفيه حقوقه كلها إن شاء الله (تعالى)... "(٢)، فالكافي -بلسان الكليني نفسه- ليس حاصرًا للروايات المعتبرة التي كانت بحوزة مصنفه، فضلا ً عن سائر الشيعة! بل إنه وعد بتصنيف ما هو أوسع منه إن طال به العمر! فضلاً عن أن هذا ليس كتابه الوحيد أصلاً!!
وربما كان وهم الدكتور أو خياله متأثرًا بما حكاه العامة عن ابن حنبل من أنه قال عن مسنده: "هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله (ص)، فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه، وإلاّ فليس بحجة"(٣)!
----------------------------
(١) القراءة المنسية: تأملات في مصادر العقائد الدينية، ص١٥٤-١٥٥ [ط١ الانتشار العربي].
(٢) الكافي: خطبة الكتاب، ص١٨ [ط٣ دار الحديث].
(٣) سير أعلام النبلاء (للذهبي): ج11، طبقة 12-13، ت78 أحمد بن حنبل، فصل، ص329 [ط2 مؤسسة الرسالة].
(٢) الكافي: خطبة الكتاب، ص١٨ [ط٣ دار الحديث].
(٣) سير أعلام النبلاء (للذهبي): ج11، طبقة 12-13، ت78 أحمد بن حنبل، فصل، ص329 [ط2 مؤسسة الرسالة].
تعليقات
إرسال تعليق