مفهوم كلمة عيد في القرآن الكريم
العيد : اسم لما عاد إليك من شئ في وقت معلوم، ويطلق على كل يوم يجمع الناس عامة، وأصله من العود.؛ لأنه يعود كل عام و يتكرر ، و قيل معناه اليوم الذي يعود فيه الفرح و السرور، و كانت الأعياد متداولة بين الأمم السابقة فقد قال الله عزَّ وّ جَلَّ و هو يذكر تحاور السحرة مع فرعون : ﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ والمقصود من يوم الزينة هو يوم العيد، فيوم العيد هو يوم الاجتماع العام الشامل (١) .
وإن أردنا تدبر كلمة عيد فنُرجعها إلى جذرها وهو عود/ يعيد/ معيد/ عودة، وقد جاءت تصاريف للكلمة وصيغها في مواضع عدة من القرآن الكريم فعلى سبيل المثال في النصوص التالية:
- (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ) (المائدة/ 114)
- (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) (سورة البروج 12-13)
- (قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ) (سورة طه: 23 )
- (عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (سورة الإسراء : 8 )
- (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سورة سبأ :49 )
والنصوص كثيرة والمقصود بهذا التعبير القرآني يدور دائماً حول معنى التكرار والرجوع، وليس وارداً أبداً معنى له صلة بالإحتفال ، وإذا أخذنا نص سورة المائدة لنفهمها عن طريق المعانى الواردة في النصوص القرآنية السابقة مفهوم العيد بالحوار الذي دار بين عيسى (ع) والحواريّين، يقول تعالى: (وَاِذْ أَوْحَيْتُ اِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ * اِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ اِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ* قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ* قَالَ اللَّهُ اِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَاِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) ( المائدة/ 111-115 ) لنفهم كيف أن الحواريين رغم قربهم للنبي عيسى ( ع ) كانوا بعيدين عن روح الديانة الالهية؛ ذلك لأن الله سبحانه و تعالى ينزل من السماء الآيات و الكتب لتكون دستوراً للناس يضمن لهم سعادة الدنيا و الاخرة، إلا أن الحواريين طلبوا من المسيح أن ينزل عليهم مائدة من السماء، و جعلوا القصد من ذلك الأكل منها، و لاطمئنان قلوبهم بصدق النبي عيسى (ع) و الحال أنهم كانوا يدعون الناس إلى اتباع المسيح ، مضافاً إلى ملاحظات أخرى منها أن تعبيرهم لم يكن مناسباً بل فيه دلالة على عدم إيمانهم الكامل بالمسيح و برسالته، حيث أنهم يخاطبون المسيح بكلمة " ربك " بدل " ربنا " فلذلك نهرهم النبي عيسى (ع) و أمرهم بالتقوى ، ثم صحح أخطاءهم و لبى طلبهم لكن بقصد آخر ، فطلب من الله تعالى ، أن ينزل عليهم مائدة من السماء لتكون هذه المائدة عيداً لأولهم وآخرهم ، ﴿ ... تَكُونُ لَنَا عِيدًا ... ﴾ أي تكون ذكرى معنوية تعود عليهم بالخير و البركة كلما تتجد هذه الذكرى في كل عام ليذَّكروا ما عاهدوا الله عليه وبالذي طلبوه هم وأخذ ميثاقهم بالإيمان والتصديق والكلمة كما عرفناها في نصوص سابقة هي من العودة والرجوع ، فأصبحت هذه المائدة التي ينزلها الله تعالى للأمة تشكّل تكليفاً جديداً للأُمّة بضرورة الإيمان والرجوع إلى الله وعدم السقوط في المعصية؛ لأنّ بها تمّت الحجّة على الناس، يقول تعالى: (قَالَ اللَّهُ اِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَاِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) (المائدة: 115 ) ، لذا إن كفرتم بهذه النعمة سيكون هناك عذاب خاصّ بكم .
وهذا الخطاب التحذيري لم يَكُن حصراً على الحواريّين، بل يشمل كلّ إنسان نزلت عليه مائدة سماوية، فمن شملته النفحات الإلهية في شهر رمضان المبارك، وأحيا ليلة القدر إحياءً مناسباً، ورَقّ قلبه، وجرت دمعته، وأحسّ بجوٍّ خاصّ؛ فهذه مائدة سماوية نزلت عليه.
وفي الختام من الضروري أن نورد النظرة المميزة للعيد عند أهل البيت -عليهم السلام- بأن يكون العيد فرصة للاجتماع الإيماني لذكر الله و التوجه إليه بالدعاء و الابتهال إليه وإحياء السنن فعَنِ الإمام علي بن موسى الرِّضَا - عليه السلام- : "أَنَّهُ إِنَّمَا جُعِلَ يَوْمُ الْفِطْرِ الْعِيدَ لِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مُجْتَمَعاً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَ يَبْرُزُونَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيُمَجِّدُونَهُ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ يَوْمَ عِيدٍ وَ يَوْمَ اجْتِمَاعٍ وَ يَوْمَ فِطْرٍ وَ يَوْمَ زَكَاةٍ وَ يَوْمَ رَغْبَةٍ وَ يَوْمَ تَضَرُّعٍ وَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ يَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ وَ الشُّرْبُ ، لِأَنَّ أَوَّلَ شُهُورِ السَّنَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ شَهْرُ رَمَضَانَ فَأَحَبَّ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْمَعٌ يَحْمَدُونَهُ فِيهِ وَ يُقَدِّسُونَهُ . . ." (٢)
وروي عن الامام الصادق - عليه السلام- : " للصائم فرحتان: فرحةٌ عند الافطار، وفرحةٌ عند لقاء الله عزّ وجلّ "(٣) ، فإنّ بعض الناس يُفسّر عبارة (عندَ افطارهِ)؛ أي عندَ افطارهِ في كلّ يوم. ولكن هناك معنى آخر وهو : عندَ فطره في العِيد، فالصائم يفرحُ بأنّ الله عزّ وجلّ أعانهُ على صيام هذا الشهر ، وعن رسول الله (ص) : " فإنّ الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم " (٤) ، وعن أمير المؤمنين -عليه السلام - : " أنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه " (٥).
ختم الله لنا شهر رمضان بالرحمة والغفران وتقبل طاعاتنا بأحسن القبول وأن يجعل مستقبل أمتنا خيرا من ماضيه فإنه قريب مجيب.
_______
(1) انظر : مجمع البحرين ، الطريحي ، ج3ص 110
(2) من لايحضره الفقيه ، الصدوق ، ج1ص522
(3) كتاب الكافي ، الكليني ، ج4ص75
(4) أمالي الصدوق ، الصدوق ، ص154
(5) نهج البلاغة ، الشريف الرضي ، باب الحكم ، ص128 ؛ وسائل الشيعة، الحرّ العاملي ، ج15، ص308.
تعليقات
إرسال تعليق