أمانة السيّد الحيدري العلميّة تحت المجهر
طَرح السيّد الحيدري في درس شرح فصوص الحكم (949) بتاريخ 3 جمادى الأولى 1439 هـ ([1]) مقاربةً بين دعوى سابقةٍ له طرحها منذ ما يقارب الست سنوات حول (وجود الإسرائيليات في كثيرٍ من الموروث الإمامي)، وكلامٍ للسيد الطباطبائي رحمه الله أورده في معرض تعليقٍ له حول تفسير سبب نزول بعض الآيات من سورة طه في تفسير القمي، إلا أنّ السيد الحيدري لم يتحلى بالأمانة العلمية لا في نقلهِ عن صاحب الميزان، ولا في توجيه كلامه رحمه الله، وللوقوف على ذلك، دعونا أولاً نقفُ على نصّ كلام السيّد الحيدري في درسه.
كلام السيّد الحيدري:
قال السيّد الحيدري في مقاربته بين دعواه وبين كلام السيد صاحب الميزان رحمهُ الله:
"قُلنا بأنّ كثير من موروثنا الروائي من الإسرائيليات، الدنيا قامت وإلى الآن قعدت لو ما قعدت مولانا؟ الآن شوفوا السيد الطباطبائي ماذا يقول عن تفسير القمي؟! احنا قلنا ماذا؟ شقلنا؟ كثير قلنا، تمام، والكثير كما يصدق على 80% 70% يصدق على 10% انته الآن ثوبك لو فيه 10% فيه قِطَع من الدم كثير لو مو كثير، بلي كثير، هسه همه ودوها أغلب؛ لأن شافوا كثير كذا، الآن التفتوا إلى السيد الطباطبائي يقول بعد أن ينقل عبارات منو، أنا قلت حتى في تفسير القمي إذا تتذكرون عبارتي، اللي أيضاً هنا أيضاً هنا مو بعد قامت الدنيا ولم تقعد، مولانا اهتزوا! -التفت- يقول: أقولُ ظاهرُ هذا الذي نقلناه من تفسير القمي أنّ قوله: والسبب في ذلك ليس ذيلاً للرواية، يقول: هو نقلها بنحو كأنها من الرواية ولكن هي مو من الرواية، قال: بالعجل الذي عبدوه بل هو من كلام القمي -احتراما شوفوا شيعبر عنه- اقتبسه من أخبار آخرين، يعني ممن اقتبسه؟ من أئمة أهل البيت؟ ممن عزيزي؟ يعني من الإسرائيليات، يعني واضح بعد، وإلا إذا من أئمة أهل البيت، خو لا بد أن يكون مدحاً لمن؟ قال: اقتبسه من أخبار آخرين -التفت- كما هو دأبه في أغلب ما أورده في تفسيره، أنا قلت كثير، السيد الطباطبائي شكد يقول؟ أغلب! هسه أنا بيني وبين الله شعلق على هؤلاء؟ يا أعزائي .. إذن المشكلة انته ما مطالع مو أنه والله هذا ما رايٌ مختصٌ بي، إذن احنا من الآن ماذا نفعل؟ بعد خطوة وقائية نسوي، نقول بابا هذا موجود، إذا طلعت رواية من تفسير القمي تقول معتبرة لو مو معتبرة؟ أقول: مو معتبرة، خلصت ....".
وملخّصُ كلام السيد الحيدري: أن السيّد الطباطبائي رحمه الله يرى أنّ أغلب ما ورد في تفسير القمي هو من الإسرائيليات، إلا أننا وعند مراجعة أصل كلام السيّد الطباطبائي رحمه الله نجدُ أنّ السيّد الحيدري قد جانبَ المنهجيّة العلميّة من جانبين: الأول: بَـترُ جزءٍ مُهمٍ من كلام العلامة الطباطبائي رحمه الله، والثاني: تحريف المعنى الذي أراده.
أولا: بتر كلام السيد الطباطبائي رحمه الله:
عند الرجوع إلى كلام السيد الطباطبائي رحمه الله في الميزان نجدهُ يقول:
"أقول: ظاهر هذا الذي نقلناه أن قوله: ﴿والسبب في ذلك﴾ إلخ، ليس ذيلا للرواية التي في أول الكلام ﴿قال بالعجل الذي عبدوه﴾ بل هو من كلام القمي اقتبسه من أخبار آخرين كما هو دأبه في أغلب ما أورده في تفسيره (من أسباب نزول الآيات) وعلى ذلك شواهد في خلال القصة التي ذكرها، نعم قوله في أثناء القصة:﴿قال ما خالفناك﴾ رواية، وكذا قوله: (قال التراب الذي جاء به السامري طرحناه في جوفه) رواية، وكذا قوله:﴿ثم هم موسى﴾ إلخ، مضمون رواية مروية عن الصادق (عليه السلام).
ثم على تقدير كونه رواية وتتمة للرواية السابقة هي رواية مرسلة مضمرة"([2]).
ونلحظُ هنا أنّ السيد الحيدري بَتر من النص عبارةً للسيد الطباطبائي رحمه الله تُغيّر المعنى وتقيّده وهي قول العلامة رحمهُ الله: (من أسباب نزول الآيات)، فكلامهُ رحمهُ الله ليس عن مطلق روايات التفسير، بل خصوص ما ذكره القمي من أسباب نزول الآيات ([3])، وبين الموردين بونٌ عظيمٌ، بل إنّ السيّد الطباطبائي رحمه الله صرّح في نفس الشاهد بكون جملةٍ مما أورده القمي في سبب نزول الآيات محلّ البحث روايةً، أو مضمونَ روايةٍ عن الإمام الصادق عليه السلام، حيث قال: "نعم قوله في أثناء القصة:﴿قال ما خالفناك﴾ رواية، وكذا قوله: (قال التراب الذي جاء به السامري طرحناه في جوفه) رواية، وكذا قوله:﴿ثم هم موسى﴾ إلخ، مضمون رواية مروية عن الصادق (عليه السلام)"، كما أنّهُ وضع احتمالاً مفاده أن يكون الجزء الذي استظهر أنّه ليس من الرواية أن يكون روايةً مُتَمّمةً لما سبق، ولكنها رواية مرسلة مضمرة، فقال:" ثم على تقدير كونه رواية وتتمة للرواية السابقة هي رواية مرسلة مضمرة ".
ولا ينقضي عجبي من بتر السيّد الحيدري للنصّ، فالمفروض أنّه حضّر هذا المورد قبل طرحه في الدرس، وقد كان يقرأُ المورد مباشرةً من الكتاب أثناء الدرس، فلماذا قفز السيّد الحيدري عن هذا الجزء من كلام العلامة رحمه الله ولم يقرأه مع أنّه يغيّرُ المعنى؟ وهل هذا مقتضى الأمانة العلميّة؟!!!
ثانياً: تحريف مُراد السيد الطباطبائي رحمه الله:
حاول السيّد الحيدري أن يساوي بين دعواه وبين كلام السيد صاحب الميزان رحمهُ الله، إن لم نقل أنّه حاول أن يصور أن كلام السيد الطباطبائي أشدّ من كلامه، فنجدهُ يَنسبُ للسيد الطباطبائي رحمه الله القولَ بأن أغلب ما في تفسير القمي من الإسرائيليات، حيث قال: "احتراما شوفوا شيعبر عنه- اقتبسه من أخبار آخرين، يعني ممن اقتبسه؟ من أئمة أهل البيت؟ ممن عزيزي؟ يعني من الإسرائيليات، يعني واضح بعد".
ولنا حول ما استنتجه السيد الحيدري وقفات:
أولاً: لا أدري من أين خلص السيد الحيدري أنّ حديث السيد الطباطبائي رحمه الله عن الاسرائيليات؛ فكلام السيّد الطباطبائي رحمه الله عامٌ ولم يتطرق لا من قريب ولا من بعيد للإسرائيليات في هذا المورد. فمن أين استنتج السيّدُ الحيدري أن نَقْلَ القمي رحمه الله لروايات آخرين يعني أنها اسرائيليات؟! وهل كُلّ روايات الآخرين اسرائيليات؟
ثانياً: هل يُعقلُ أنّ يرى السيّد الطباطبائي رحمه الله أغلب روايات تفسير القمي من الاسرائيليات وهو الذي يستشهدُ في أغلب موارد البحث الروائي في تفسير الميزان بشواهد روائية من تفسير القمي، بما فيه المورد محل المناقشة من سورة طه؟! بل إنّه رحمه الله عندما سؤلَ في أواخر حياته عن أفضل تفسيرٍ للقرآن الكريم أجاب: "تفسيرا القمي و العياشي" ([4]).
ثالثاً: غاية ما يُفهم من كلامه رحمه الله أنّه يرى أن الكلام الذي ورد في تفسير القمي ابتداءً من: "وكان سبب ذلك أن موسى ..." إلى آخر الرواية ليس من أصل الرواية التي نقلها القمي عن الحارث بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام، وأما كلمة (الآخرين) التي أوردها السيد صاحب الميزان فواسعةٌ، ولعله رحمه الله استظهر أن يكون هذا الجزء من تفاسير شيعيّة أخرى ألحقت بالرواية المذكورة، أو من تفاسير المخالفين، والذي يقوى في النفس أنّ مُراد السيد الطباطبائي رحمه الله بالآخرين هو الثاني بملاحظة الشواهد الروائية اللاحقة من تفسير الطبري وما رواه ابن أبي حاتم وغيرهم والتي تشابه في مضمونها رواية تفسير القمي.
وكيفما كان، فإنّ السيّد الحيدري لم يكن أميناً في نقل كلام صاحب الميزان رحمه الله، كما أنّهُ حرف مراده ليجعله مساوقاً لدعواه حول "كون كثير من الموروث الشيعي من الإسرائيليات"، والتي قد مرّ على طرحها أكثر من ست سنوات ولم يثبتها حتى الآن، وإنما اكتفى بعبارة: " الإخوة لا يستعجلون، سيأتي إن شاء الله"، وأين هذا من ذاك.
وهنا أودُّ أن أهمس في أذن السيّد بالقول: إنّ من السهل تسطير الإدعاءات، ولكنّ العبرة في الميدان العلمي بالإثبات وحشد الشواهد والأدلة على الدعوى، وهو ما لا نَراهُ في أبحاث السيّد للأسف الشديد، التي نراها متخمةً بالدعاوى والتخرّصات وعبارة "سيأتي إن شاء الله في محله"، دون أن نرى على الواقع استدلالاً حقيقياً أو أدلةً ترقى لدعم ما يطرحه! وليت السيّد الحيدري يدرك أنّ هذا الفعل يجعلُ المنهج العلمي لأي باحثٍ في الحضيض.
------------------------------------------
[1] رابط المقطع المرئي من موقع السيد الحيدري : (http://alhaydari.com/ar/2018/01/62939/) وقد رُفِعَ المقطعُ على الموقع وعلى قناته على اليوتيوب بعنوان: "أغلب روايات تفسير القمي ليست من أئمة أهل البيت (ع)".
[2] الميزان في تفسير القرآن، السيد الطباطبائي رحمهُ الله، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، ج 14 ص 202
[3] لتقريب الصورة: فإنّ السيد الطباطبائي رحمه الله أورد في معرض تفسيره للآيات 80- 98 من سورة طه روايةً طويلةً من تفسير القمي، ولكنّهُ وجهة نظره أنّ الرواية تتوقفُ عند مقدارٍ معيّن (بالعجل الذي عبدوه)، وأما ما جاء بعدها فإنه يرى القمي أخذه من "آخرين"، ثم عاد العلامة ليقول بأن ذيل التفسير حول كلام بني إسرائيل لموسى (ع) والتراب الذي جاء به السامري رواية، وأن الحديث حول همّ موسى (ع) بقتل السامري هو مضمون رواية.
[4] ذكر الشيخ محمد السند البحراني حفظه الله في كتابه إسلام معيّة الثقلين، لا إسلام المصحف منسلخا عن الحديث:
"وقد أخبرني الشيخ العلامة السيفي المازندراني حفظه الله أنّه سأل صاحب تفسير الميزان – في أواخر عمره عن أفضل تفسيرٍ للقرآن الكريم فأجاب: (تفسيرا القمي والعياشي)، فسأله الشيخ: وماذا عن تفسير الميزان ؟! فأجابه السيّد محركاً يده كالمستخف بكتابه الميزان قياساً ومقارنة بالتفسير الحديثي الروائي لأهل البيت عليهم السلام وأنّ÷ لا يُقاس بالثقلين شيءٌ من كلام البشر المفسرين".
إسلام معيّة الثقلين، لا إسلام المصحف منسلخا عن الحديث، الشيخ محمد السند حفظه الله، إعداد الشيخ احسان مظفر، الطبعة الأولى: 1435 هـ، المطبعة: نينوا: قم المقدسة، ص 19.
تعليقات
إرسال تعليق