ابن قولويه وزيارة الأربعين
سأل أحد المؤمنين: كتب شخصٌ يُدعى "ميثاق" مقالاً أرفقت لكم نصَّه، ومفاده: أن ابن قولويه حرص على أن يذكر كل شاردةٍ وواردةٍ ترتبط بزيارة الحسين (عليه السلام) حتى مما يمثّل "غلوًا" و"أساطيرًا" -على حد تعبيره-، إلا أنه لم يذكر أي روايةٍ ترتبط بزيارة الأربعين، فهل لم يلحظ السائرين في وقته للحسين (عليه السلام) هذا اليوم لعدم وجودهم -كما يدّعي-؟ وادَّعى أن زيارته (عليه السلام) في الأربعين دعوى لا تستند إلا على ما عبّر عنه بـ"قصة التسامح في أدلة السنن"، وهي غير ثابتةٍ -كما يقول- عند مشهور الفقهاء المعاصرين. فما مدى سلامة ما احتواه هذا المقال من دعاوٍ وتساؤلات؟
والجواب: هذا المقال به مجموعة مشاكل؛ وهو يكشف عن انعدام اللياقة العلمية لدى راقمه!
[١] لم يزعم ابن قولويه أنه: "حرص على ذكر كل شاردة وواردة ترتبط بفضل زيارة الحسين - عليه السلام -" .. ولا زعم ذلك له أحد من العلماء. بل بالعكس تماماً؛ هو نفسه نفى ذلك في مقدمة كتابه كامل الزيارات: ص٣٧، فقال: «وقد علمنا؛ أنا لا نُحيط بجميع ما رُوي عنهم - عليهم السلام - في هذا المعنى، ولا في غيره». فهذا تصريح منه: أنه لم يستوعب كافة ما رُوي بهذا الشأن. فلماذا يُدَّعى عليه خلاف مَرامِه؟!
[٢] مصادر الزيارات كثيرة، ولا تقتصر على كتاب ابن قولويه؛ إذ لا امتياز له من جهة روايتها، عدا ما يُستظهر من مقدمته: ص٣٧ "أنه لا يُخرج فيه إلا عن الثقات"، هذا الذي حصل بسببه جدل رجالي في الوسط الحوزوي. ولا يخفى؛ أن ذلكم أجنبي عن المقام، ولا يحصر رواية الزيارات بالكتاب المذكور. كيف؟ وقد رُويت عدة زيارات في كتب أخرى، ما رُويت فيه البتة!
مثلاً، من مصادر الزيارات عندنا: المزار الكبير للشيخ المفيد، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي، والمزار الكبير للشيخ المشهدي، ومصباح الزائر للسيد ابن طاووس، والمزار للشهيد الأول... إلى غيرها من الكتب الوفيرة، وقد سردتْ موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام) : ج٠/ ص٣٣٣، نحو ١٩٣ عنواناً من كتب الزيارات، لقرون مختلفة، بعدة لغات. بعضها مطبوع، وبعضها مخطوط، وبعضها مفقود.
وعليه: فالإلزام بكتاب كامل الزيارات، من لزوم ما لا يلزم، ولا داعي له، سوى الإشكال لمجرد الإشكال.
[٣] موضوع كتاب ابن قولويه هو الزيارات؛ كما صرَّح بنفسه في عنوانه وتقدمته: ص٣٦، حيث قال: «وأنا مبيِّن لك - أطال الله بقاك - ما أثاب الله به الزائر لنبيِّه وأهل بيته - صلوات الله عليهم أجمعين - بالآثار الواردة عنهم - عليهم السلام -» ثم قال: «وسمَّيته: كتاب كامل الزيارات وفضلها وثواب ذلك». وما يبوِّبه لغير هذا الغرض تحديداً فهو من قبيل "متمِّم الجَعْل" لتكامل جوانب الموضوع. كإجابة سؤال: كثافة ورود الزيارات الحسينية؟ أو بيان بعض إشارات مضامينها! أو غير ذلك من البواعث التصنيفية، كما هو واضح.
فالتبويب: بدعاء الحمام، ونوح البوم، لهذا الدَّاعي التأليفي. وهو منهج علمي بلا إشكال؛ فلا موجب للهمز واللمز، خلا المشتهى والمزاج!
سيما وأن الشيخ ناقلٌ أمينٌ لأحاديث المعصومين (عليهم السلام) حيث أسندها لرواتها، فلا عهدة عليه فيها .. ثم هو لم يتفرَّد بنقلها؛ فمثلاً: "خبر الحمام الراعبية" كما أخرجه في كامل الزيارات: ب٣٠/ ص١٩٧/ ح٢٧٨-١، فكذلكم أخرجه الكليني في الكافي: ج٦/ ص٥٤٧/ ح١٣، بالسياق ذاته.
[٤] "ابن قولويه ملأ كتابه بالغلو والأساطير، بقصد أو بدون قصد" .. هذه دعوى عريضة، تعتاز لبرهنة!
فليضع مدَّعيها إصبعه على مصاديقها من الكتاب، ولينقِّح طرقها ودلالاتها - وفق الضوابط العلمية - حتى يتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحقيقة.
ثم ليُثبت أن ابن قولويه - في كتابه - أزيد من راوٍ نزيهٍ لما تلقَّاه عن الرواة. وأنه قصد إيراد الآثار المحرَّرة طبق موازينه المعرفية. لا أنه ترك مهمة تهذيبها للمعنيِّين بها.
وإلا فالمدَّعي؛ لا يعدو كونه يُطلق في الهواء بالونات صابونية!
ثم ابن قولويه؛ لم يصفه مترجموه - وبينهم معاصروه - أنه صاحب غلو وأساطير، لو كان كذاك لنعتوه بذاك ..
فعنه قال تلميذه المفيد: «كل ما يوصف الناس به؛ من جميل وفقه ودين وثقة فهو فوق ذلك. وله كتبٌ حِسَان» كما في تاريخ الإسلام للذهبي: ج٨/ ص٢٨٦/ ت٢٧٣، والوافي بالوفيات للصفدي: ج١١/ ص١١٦.
وعنه قال المفيد أيضاً - وسرده بمعيَّة فقهاء عصره ورواته وفضلائه -: «شيخنا الثقة الفقيه» كما في إقبال الأعمال لابن طاووس: ج١/ ص٣٣.
وعنه قال النجاشي: ب ج/ ص١٢٣/ ت٣١٨، «من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه. وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه. وله كتبٌ حِسَان» .. ولعل المقطع الأخير استعاره النجاشي من أستاذه المفيد، كما يبدو.
بل للاحظ عليه ذلك مترجموه من مخالفيه ..
فقد قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: ج٨/ ص٢٨٦/ ت٢٧٣، «من كبار أئمة الشيعة، ومن علمائهم المشهورين بينهم» .. وبنحو هذه العبارة صدح الصفدي في الوافي بالوفيات: ج١١/ ص١١٦، وكذلك العسقلاني في لسان الميزان: ج٢/ ص٤٧٠/ ت١٩٠٤.
وكتابه "كامل الزيارات" عدَّه المفيد والنجاشي ضمن كتُبه الحِسَان، في عبارتهما الفارطة آنفاً.
وقال المجلسي في البحار: ج١/ ف٢/ ص٢٧، «وكتاب كامل الزيارة؛ من الأصول المعروفة، وأخذ منه الشيخ في التهذيب، وغيره من المحدِّثين».
وقال الميرزا النوري في خاتمة المستدرك: ج٣/ ص٢٤٨، «كتاب كامل الزيارات؛ وهو اسمه الذي سماه به، وهو كتاب مشهور معروف بين الأصحاب، نقل عنه أرباب التأليف منهم».
وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب: ج١/ ص٤٤٧/ ت٤٤٩، «من مصنفاته: كتاب كامل الزيارات، وهو كتاب نفيس».
وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج٤/ ص١٥٥، «هو كتاب مشهور معروف بين الأصحاب، نقل عنه جلُّ من ألَّف في هذا الباب».
وقال الشيخ السبحاني في كليات الرجال: ص٣٠٠، «كتابه هذا؛ من أهم كتب الطائفة، وأصولها المعتمد عليها في الحديث».
هذه بعض تصريحات المختصِّين؛ من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، حول كتاب كامل الزيارات. فلو كان مليئاً بالغلو والأساطير = لما حظي بهذا الاحترام العلمي، والقبول الواسع!
والشيخ يمتلك أدوات الفقاهة، وليس بساذج أو مغفل، حتى تفوته السخافة والتفاهة. سيما وهو من أكابر رجالات الشيعة، ومؤلفاته محطُّ عناية علمائهم في عاصمتي الثقافة الدينية - وقتذاك - قم وبغداد.
فمقولة: "ابن قولويه ملأ كتابه بالغلو والأساطير، بقصد أو بدون قصد" .. ثرثرة فارغة، لا محتوى لها.
[٥] أخرج الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام: ج٦/ ص١١٣/ ح٢٠١-١٧، ومصباح المتهجد: ص٧٨٨/ ح٨٥٧-١٢، حديثاً مسنداً عن صفوان بن مهران، عن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه "زيارة الأربعين" بصراحة.
وعثر السيد ابن طاووس على تتمة مرويَّة لهذا الحديث، ساقها في كتابيه: إقبال الأعمال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٣، ومصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٩٠ .. هاتِه التتمة تُعتبر حديثاً مستقلاً، له صلة بحديث صفوان.
كما رَوى الشيخ المفيد في المزار: ب٢٣/ ص٥٣/ ح١، والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام: ج٦/ ب١٦/ ص٥٢/ ح١٢٢-٣٧، ومصباح المتهجد: ص٧٨٧، حديثاً مرسلاً عن الإمام العسكري (عليه السلام) يذكر فيه "زيارة الأربعين" صراحة .. غير أن الشيخ ابن المشهدي في المزار: ب١١/ ص٣٥٢/ ح١، أفاد: بأن هذا الحديث مسند عن أبي هاشم الجعفري، عن الإمام العسكري (عليه السلام) بيد أن الشيخ علَّق إسناده. وعبارة السيد ابن طاووس في الإقبال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٠، تفيد: أن هذا الحديث في أصله مسند؛ قال: «روينا بإسنادنا إلى جدِّي أبي جعفر الطوسي، فيما رواه بإسناده إلى مولانا الحسن بن علي العسكري - صلوات الله عليه -».
ورَوى الشيخ القمي في العقد النضيد: ص٤٦/ ح٣٣، خبراً مرسلاً عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه الخصال التي يُعرف بها الشيعة، وعدَّ منها "زيارة الأربعين".
كذلك رَوى السيد ابن طاووس في مصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٨٦، زيارة مرسلة عن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري، في يوم العشرين من صفر.
وأيضاً أخرج الشيخ الطبري في بشارة المصطفى: ص١٢٤/ ح٧٢، أثراً مسنداً عن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري، يُشبه أثر ابن طاووس في مصباحه .. وأخرجه من طريق آخر الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢/ ف١٤/ ص١٩٠/ ح٢، وابن كرامة في تنبيه الغافلين: ص٩٠، والمتن بين ذَيْن وذَيْن مختلف.
فهذي ستة نصوص - على الأقل - وردت من طرق الفريقين، في خصوص زيارة الأربعين. فلماذا التشدُّق والتنطُّع بعدم وجود رواية تخصها؟!
قال السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٣، «وجدتُ لهذه الزيارة وداعاً يختص بها». وقال في مصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٩٠، «وقد رُوِي أن لهذه الزيارة وداع مخصوص بها».
وقال العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار: ج٩/ ص٣٠١، «زيارة الأربعين؛ صرح الأصحاب: بأنه العشرون من صفر، ولهم شواهد من الأخبار».
وقال السيد محمد باقر الحكيم في دور أهل البيت (عليهم السلام) ج٢/ ص١٩٦، «زيارة الأربعين؛ في اليوم العشرين من شهر صفر، ولها نصٌّ أو نصوص خاصة بها».
[٦] عَنْوَن العلماء "لزيارة الأربعين" في متنوَّع مصنفاتهم ومؤلفاتهم؛ منهم:
• الشيخ المفيد في المزار: ب٢٣/ ص٥٣، قال: «باب فضل زيارة الأربعين».
• والشيخ الطوسي في التهذيب: ج٦/ ص١١٣، قال: «زيارة الأربعين». والمصباح: ص٧٨٨، قال: «شرح زيارة الأربعين».
• والشيخ ابن المشهدي في المزار الكبير: ق٤/ ب١٨/ ص٥١٤/ ح١٠، قال: «زيارة أبي عبد الله الحسين - صلوات الله عليه - يوم العشرين من صفر، وهي: زيارة الأربعين».
• والسيد ابن طاووس في الإقبال: ب٣/ ف٥/ ص١٠٠، قال: «فيما نذكره من فضل زيارة الحسين - عليه السلام - يوم العشرين من صفر». وفي المصباح: ف١٠/ ص٢٨٦، قال: «فصل: في زيارة الأربعين، وشرح ما ورد في كيفيتها».
• والشهيد الأول في المزار: ص١٨٥، قال: «ومنها: زيارة الأربعين، وهو اليوم العشرون من شهر صفر».
• والشيخ الكفعمي في المصباح: ص٤٨٩، قال: «زيارة الأربعين».
• والشيخ البهائي في توضيح المقاصد: شهر صفر/ ص٦، قال: «فيه زيارة الأربعين لأبي عبد الله الحسين - عليه السلام -».
• والفيض الكاشاني في الوافي: ج١٤/ ب٢٠٠/ ص١٥٨١، قال: «باب كفية زيارة الأربعين».
• والحر العاملي في الوسائل: ج١٤/ ب٥٦/ ص٤٧٨، قال: «باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين - عليه السلام - يوم الأربعين من مقتله، وهو يوم العشرين من صفر».
• والعلامة المجلسي في البحار: ج٩٥/ ب١١/ ص٣٤٨، قال: «باب أعمال خصوص يوم الأربعين، وهو يوم العشرين من هذا الشهر». وفي ج٩٨/ ب٢٥/ ص٣٢٩، قال: «باب زيارة الأربعين». وفي ملاذ الأخيار: ج٩/ ص٣٠١، قال: «زيارة الأربعين».
• والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، قال: «زيارة الحسين - عليه السلام - في العشرين من صفر».
• والسيد البروجردي في جامع أحاديث الشيعة: ج١٢/ ب٥٥/ ص٤٢٩، قال: «باب استحباب زيارة الأربعين وكيفيتها».
• والشيخ القمي في مفاتيح الجنان: ص٦٨١، قال: «زيارة الأربعين؛ أي: اليوم العشرين من صفر».
• والشيخ الاصطهباناتي في نور العين: ب٢٢٠/ ص٣٦٩، قال: «باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين - عليه السلام - يوم الأربعين، وهو يوم العشرين من صفر».
فهاؤم علماؤنا - بامتداد تاريخنا - يبوِّبون لزيارة الأربعين بالبند العريض. ولا يخفى: أن العَنْوَنة تشفُّ عن واقع حقيقي، سيما في المصادر الفقهية؛ من قبيل: العَنْوَنة فيها لألوان العبادات والمعاملات، من الطهارة إلى الدِّيات، إذ لا معنى لعنوان لا مُعَنْوَن له!
[٧] أفتى الفقهاء باستحباب "زيارة الأربعين" منهم:
• الشيخ المفيد في مسار الشيعة: ش صفر/ ص٤٦، قال: «وفي اليوم العشرين منه .. ويستحب زيارته - عليه السلام -».
• والشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: ص٧٨٧، قال: «ويستحب زيارته - عليه السلام - فيه، وهي: زيارة الأربعين».
• والسيد ابن طاووس، كما في البحار: ج٩٥/ ب١١/ ص٣٤٨/ ح١، قال: «يوم العشرين منه؛ يستحب فيه زيارة الحسين - عليه السلام -».
• والعلامة الحلي في منتهى المطلب: ج٢/ ص٨٩٢، قال: «ويستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله - عليه السلام - وهو العشرون من صفر». وفي تذكرة الفقهاء: ج٨/ ص٤٥٤/ م٧٧٠، قال: «وتستحب زيارته في .. ويوم العشرين من صفر». وفي تحرير الأحكام: ج٢/ م١٥/ ف٣/ ص١٢٢/ م٢٦٥٤، قال: «ويستحب زيارته في .. والعشرين من صفر».
• والشهيد الأول في الدروس الشرعية: ج٢/ ص١٠، قال: «وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن».
• والشيخ الكفعمي في البلد الأمين: ص٢٧٤، قال: «يستحب في العشرين منه: زيارة الحسين - عليه السلام - وهي زيارة الأربعين».
• والفيض الكاشاني في تقويم المحسنين «نصَّ على استحبابها» كما في نور العين: ص٣٧٥، ومقتل الحسين: ص٣٧٢.
• والحر العاملي في هداية الأمة: ج٥/ ب٩/ ص٤٨٨، قال: «يستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله».
• والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة: ج١٧/ ص٤٣٤، قال: «وزيارته في العشرين من صفر؛ من علامات المؤمن».
• والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، قال: «ومن زيارات الحسين - عليه السلام - المخصوصة؛ يوم العشرين من صفر، الذي قد لا يُرتاب في أن مزيد فضل العشرين منه، وفضل الأعمال فيه - وخصوصاً زيارة الحسين عليه السلام - عند الإمامية كنارٍ على عَلم».
• والشيخ حسين آل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٥، قال: «وتتأكد في .. ويوم الأربعين من مقتله - عليه السلام - وهو اليوم العشرون من صفر».
• والميرزا الملكي في المراقبات: ص٣٩، قال: «يلزم على الرجل المراقب؛ أن يجعل يوم الأربعين يوم حزنه، ويسعى أن يزوره - صلوات الله عليه - عند قبره، ولو مرَّة في عمره».
• والشيخ القمي في مفاتيح الجنان: ف٨/ ي٢٠/ ص٤٥٤، قال: «ويستحب فيه زيارته - عليه السلام -».
• والسيد جعفر العاملي في مختصر مفيد: ج١/ ص٢٢٢، قال: «إنه لا ريب في استحباب زيارة الأربعين للإمام الحسين - عليه الصلاة والسلام - .. وقد حكم العلماء باستحباب هذه الزيارة».
فهذه الكثافة الفتوائية - قديماً وحديثاً - باستحباب "زيارة الأربعين" لدليل واضح على ثبوت استحباب خاص لها في العشرين من صفر، إلا أن يُتجرأ ويقال: الفقهاء أفتوا بها دون مستند شرعي!
[٨] زيارة الأربعين معروفة منذ القِدَم، والقصد إليها مشهور بين الناس .. فمثلاً:
قال أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية: ص٣٣١، «وفي العشرين رُدَّ رأس الحسين إلى جثته، حتى دُفِن مع جثته، وفيه زيارة الأربعين».
وقال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: ص٧٨٧، «وهي: زيارة الأربعين» .. ومثله قال الشيخ ابن المشهدي في المزار الكبير: ق٤/ ب١٨/ ص٥١٤/ ح١٠، وكذا الشيخ الكفعمي في البلد الأمين: ص٢٧٤.
وقال الشيخ الحبلرودي في التوضيح الأنور: ص١٤، «عزمتُ على زيارة الأربعين، في سنة ثمانمائة من الهجرة مع تسع وثلاثين» .. ونقله عن مخطوطته السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج٦/ ص٣٢٣.
وقال الشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، «ومن زيارات الحسين - عليه السلام - المخصوصة؛ يوم العشرين من صفر، الذي قد لا يُرتاب في أن مزيد فضل العشرين منه، وفضل الأعمال فيه - وخصوصاً زيارة الحسين عليه السلام - عند الإمامية كنارٍ على عَلم».
وقال السيد المقرَّم في مقتل الحسين: ص٣٦٥، «ولهذا اطَّرَدت عادة الشيعة؛ على تجديد العهد بتلكم الأحوال، يوم الأربعين من كل سنة».
عبارات الأعلام هذه؛ صريحة في: أن زيارة الأربعين متسالمة بين الشيعة .. فالأسلوب البياني للبيروني المتوفى سنة ٤٤٠هـ، والطوسي المتوفى سنة ٤٦٠هـ، والمشهدي المتوفى بعد سنة ٥٨٠هـ، والكفعمي المتوفى سنة ٩٠٥هـ، جليُّ الدلالة: أن زيارة الأربعين متعارفة؛ إذ تركيب الجملة إشارة إلى ما بإزائها في الخارج الفعلي، والألف واللام في "الأربعين" للمعهود المرتكز في الأذهان.
أما عبارات: الحبلرودي المتوفى بعد سنة ٨٥٢هـ، وابن شلال المتوفى سنة ١٢٥٥هـ، والمقرَّم المتوفى سنة ١٣٩١هـ؛ فهي نصٌّ في المطلوب.
فمقولة: "لم يَلحظ السائرين - في وقته - إلى زيارة الحسين عليه السلام، في خصوص هذه المناسبة، لعدم وجودهم أصلاً" يعاكسها الواقع التاريخي!
[٩] "زيارة الحسين (عليه السلام) محببة في كل حين، لكن ثبوت استحباب خاص لها يوم العشرين من صفر؛ دعوى لا تستند إلى دليل".
الملاحظ؛ أن المدَّعي تناقض في دعواه خلال سطرين! فهو زعم "ألاَّ وجود لرواية خاصة" ثم تراجع وزعم "عدم ثبوت رواية خاصة" وهذا تهافت بيِّن؛ إذ عدم وجودها نفيٌ، وعدم ثبوتها إثباتٌ.
ثم عدم الوجود؛ ثبت بطلانه لا أقلَّ بستِّ روايات .. وعدم الثبوت؛ ثبت بطلانه بالتزام جمهرة العلماء المتقدمين والمتأخرين.
وهاؤم مستنداً شرعياً يُسِنُّ زيارة الأربعين - بصيغتها المتداولة - دون الحاجة لتوارد أدلة خاصة بها ..
أما استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كل حين؛ فمن ضروريات المذهب بلا إشكال؛ كما قال الشيخ الجواهري في جواهر الكلام: ج٢٠/ ص٩٥، والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف٢/ ص٢٥٠. ويكفي - في المقام - ما قاله الشيخ الكفعمي في المصباح: ص٤٩٠، «يستحب زيارة الحسين - عليه السلام - في كل شهر، بل في كل يوم» .. والكاتب نفسه اعترف بهذي الجزئية!
وأيضاً المشي إلى زيارته (عليه السلام) مستحب أكيد؛ والشيخ الاصطهباناتي في نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين: ب١/ ص١١، أحصى ٢١ رواية، تحتوي على مفردة "المشي" أو ما في مؤداها، وهذا عدد كبير، تحصل به الاستفاضة بل التواتر.
منها: ما أخرجه الشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات: ب٤٩/ ص٢٥٤/ ح٣٨١-٤، بسند معتبر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من أتى قبر الحسين - عليه السلام - ماشياً؛ كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة».
فلو تنازلنا - تساهلاً وتسامحاً - عن ثبوت خصوص زيارة الأربعين؛ فيمكن تحصيل استحباب المشي إلى زيارته (عليه السلام) في نفس هذا التوقيت "٢٠ صفر" وبالطريقة المعتادة، من عموم أدلة استحباب زيارته (عليه السلام) .. ولا إخال الكاتب يناقش في هكذا استدلال فقهي.
[١٠] "دعوى ثبوت استحباب خاص لزيارة العشرين من صفر؛ لا تستند إلى دليل، غير قصة التسامح في أدلة السنن المتأخرة، وهي غير ثابتة عند مشهور الفقهاء المعاصرين".
بعض المباني الحوزوية تقبل بأسناد الروايات المذكورة، ولا تعتمد فيها على "قاعدة التسامح في أدلة السنن" .. فمثلاً: قال الشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، «رُوِي عن الشيخ؛ في التهذيب والمصباح - بإسناد معتبر - عن صفوان الجمال» .. وقال السيد جعفر العاملي في مختصر مفيد: ج١١/ ص٩٧، «وقد رُوِي - بسند صحيح - عن صفوان بن مهران، عن الإمام الصادق - عليه السلام - نصُّ زيارة الأربعين».
ثم "قاعدة التسامح في أدلة السنن" ليست متأخرة؛ بل دُشنت ومُورست منذ عقود مبكرة .. مثلاً:
أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج١/ص٤٩٠، والمدخل: ص٢٩/ ح١١، بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة ١٩٨هـ، أنه قال: «إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والأحكام؛ شدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال. وإذا روينا في فضائل الأعمال، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات؛ تساهلنا في الأسانيد».
وهذا المعنى مذكور عن: سفيان الثوري المتوفى سنة ١٦١هـ، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨هـ، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٤١هـ، وأبي داود السجستاني المتوفى سنة ٢٧٥هـ، وغيرهم كثُر.
وقد عقد الخطيب البغدادي في الكفاية: ج١/ ص٣٩٨، والجامع: ج٢/ ص٩١، باباً يذكر فيه من التزم القاعدة.
وصرح مخالفونا؛ أن هذي القاعدة مورد إجماعهم ..
قال الحافظ النووي في الأذكار: ص٨، «قال العلماء؛ من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل - في الفضائل والترغيب والترهيب - بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعاً».
وقال المحدِّث الهيتمي؛ كما في الأجوبة الفاضلة: ص٤٢، «اتفق العلماء؛ على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال».
وقال المُلاَّ القاري؛ كما في الأجوبة الفاضلة: ص٣٧، «إن الحديث الضعيف معتبر في فضائل الأعمال، عند جميع العلماء من أرباب الكمال».
وقال الدكتور عِتْر في منهج النقد: ص٢٩٢، «يستحب العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ من المستحبات والمكروهات. وهو مذهب جماهير العلماء، من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم».
بل صرح أصحابنا؛ أن القاعدة مشهورة بينهم، وزعم غير واحد اتفاقهم عليها ..
قال الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ج٢/ ص٣٤، «أحاديث الفضائل؛ يُتسامح فيها عند أهل العلم».
وقال الشهيد الثاني في الرعاية: ص٩٤، «وجوَّز الأكثر: العمل به - أي: بالخبر الضعيف - في نحو: القصص، والمواعظ، وفضائل الأعمال. لا في نحو: صفات الله المتعال، وأحكام الحلال والحرام. وهو حسن؛ حيث لا يبلغ الضعف حدَّ الوضع والاختلاق. لما اشتهر بين العلماء المحققين من: التساهل بأدلة السنن».
وقال الشيخ الأنصاري في رسائله: ص١٣٧، «المشهور بين أصحابنا والعامة: التسامح في أدلة السنن».
وقال السيد المراغي في العناوين: ج١/ص٤٢٠، «اشتهر في كلمة الأصحاب - سيما المتأخرين منهم - التسامح في دليل المستحبات والمكروهات. ويتفرع على هذه القاعدة كثير من الأحكام الشرعية في أبواب الفقه؛ إذ أغلب المندوبات والمكروهات ليس له دليل قوي، مع أن الفقهاء يفتون به».
وقال الميرزا الآشتياني في بحر الفوائد: ج٢/ ص٦٥، «إن المشهور بين الأصحاب - بل العامة - ثبوت التسامح في أخبار السنن .. بل عن غير واحد: نقل الإجماع على ذلك».
وصدقوا جميعهم؛ إذ قال ابن فهد الحلي في عدة الداعي: ص٢٠، «صار هذا المعنى مجمعاً عليه عند الفريقين».
ثم لو كانت "قاعدة التسامح" متأخرة - حسب زعم الكاتب - فعلى ماذا اعتمد متقدِّموا الأصحاب في اعتبارهم روايات زيارة الأربعين؟ وإفتائهم باستحبابها؟ .. فإن كان مستندهم القاعدة المذكورة؛ ثبت تقدمها لا تأخرها. وإن كان مستندهم غيرها؛ ثبت استنادهم إلى غيرها لا إليها .. وكلا الأمرين نقيض مدَّعَى الكاتب، فليختر أيهما يشاء.
ثم عدم ثبوت "قاعدة التسامح" عند بعض المعاصرين - قلوا أم كثروا - لا يشطب ثبوتها لدى قُدَامى ومُحْدَثي الفريقين. ولا يلغي مفاد أخبار زيارة الأربعين؛ حيث أن القاعدة لا تتصرف في موضوعها، بل تتحكم بمحمولها، فتبقى خصيصتها على ما هي عليه، غاية الأمر انتفاء حُجيتها.
على أن "قاعدة رجاء المطلوبية" التي يرتضيها المعاصرون، والتي هي صياغة مبتكرة لروايات "من بلغه" المتواترة - كما يصفها الشيخ الأنصاري في رسائله: و٣/ ص١٤٢ - لا يمكن لها أن ترجو الواقع ابتداء، بدون معونة مدلول الخبر الضعيف، فلابدَّ من وقوع العمل المستفاد من الخبر موضوعاً لمحمولها.
وعليه: لا مناص من الالتزام بخاصية روايات زيارة الأربعين، سواء بإعمال قاعدة التسامح، أو بإعمال قاعدة الرجاء، أو بالمحاكمة السندية، لا فرق.
[١] لم يزعم ابن قولويه أنه: "حرص على ذكر كل شاردة وواردة ترتبط بفضل زيارة الحسين - عليه السلام -" .. ولا زعم ذلك له أحد من العلماء. بل بالعكس تماماً؛ هو نفسه نفى ذلك في مقدمة كتابه كامل الزيارات: ص٣٧، فقال: «وقد علمنا؛ أنا لا نُحيط بجميع ما رُوي عنهم - عليهم السلام - في هذا المعنى، ولا في غيره». فهذا تصريح منه: أنه لم يستوعب كافة ما رُوي بهذا الشأن. فلماذا يُدَّعى عليه خلاف مَرامِه؟!
[٢] مصادر الزيارات كثيرة، ولا تقتصر على كتاب ابن قولويه؛ إذ لا امتياز له من جهة روايتها، عدا ما يُستظهر من مقدمته: ص٣٧ "أنه لا يُخرج فيه إلا عن الثقات"، هذا الذي حصل بسببه جدل رجالي في الوسط الحوزوي. ولا يخفى؛ أن ذلكم أجنبي عن المقام، ولا يحصر رواية الزيارات بالكتاب المذكور. كيف؟ وقد رُويت عدة زيارات في كتب أخرى، ما رُويت فيه البتة!
مثلاً، من مصادر الزيارات عندنا: المزار الكبير للشيخ المفيد، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي، والمزار الكبير للشيخ المشهدي، ومصباح الزائر للسيد ابن طاووس، والمزار للشهيد الأول... إلى غيرها من الكتب الوفيرة، وقد سردتْ موسوعة زيارات المعصومين (عليهم السلام) : ج٠/ ص٣٣٣، نحو ١٩٣ عنواناً من كتب الزيارات، لقرون مختلفة، بعدة لغات. بعضها مطبوع، وبعضها مخطوط، وبعضها مفقود.
وعليه: فالإلزام بكتاب كامل الزيارات، من لزوم ما لا يلزم، ولا داعي له، سوى الإشكال لمجرد الإشكال.
[٣] موضوع كتاب ابن قولويه هو الزيارات؛ كما صرَّح بنفسه في عنوانه وتقدمته: ص٣٦، حيث قال: «وأنا مبيِّن لك - أطال الله بقاك - ما أثاب الله به الزائر لنبيِّه وأهل بيته - صلوات الله عليهم أجمعين - بالآثار الواردة عنهم - عليهم السلام -» ثم قال: «وسمَّيته: كتاب كامل الزيارات وفضلها وثواب ذلك». وما يبوِّبه لغير هذا الغرض تحديداً فهو من قبيل "متمِّم الجَعْل" لتكامل جوانب الموضوع. كإجابة سؤال: كثافة ورود الزيارات الحسينية؟ أو بيان بعض إشارات مضامينها! أو غير ذلك من البواعث التصنيفية، كما هو واضح.
فالتبويب: بدعاء الحمام، ونوح البوم، لهذا الدَّاعي التأليفي. وهو منهج علمي بلا إشكال؛ فلا موجب للهمز واللمز، خلا المشتهى والمزاج!
سيما وأن الشيخ ناقلٌ أمينٌ لأحاديث المعصومين (عليهم السلام) حيث أسندها لرواتها، فلا عهدة عليه فيها .. ثم هو لم يتفرَّد بنقلها؛ فمثلاً: "خبر الحمام الراعبية" كما أخرجه في كامل الزيارات: ب٣٠/ ص١٩٧/ ح٢٧٨-١، فكذلكم أخرجه الكليني في الكافي: ج٦/ ص٥٤٧/ ح١٣، بالسياق ذاته.
[٤] "ابن قولويه ملأ كتابه بالغلو والأساطير، بقصد أو بدون قصد" .. هذه دعوى عريضة، تعتاز لبرهنة!
فليضع مدَّعيها إصبعه على مصاديقها من الكتاب، ولينقِّح طرقها ودلالاتها - وفق الضوابط العلمية - حتى يتبيَّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الحقيقة.
ثم ليُثبت أن ابن قولويه - في كتابه - أزيد من راوٍ نزيهٍ لما تلقَّاه عن الرواة. وأنه قصد إيراد الآثار المحرَّرة طبق موازينه المعرفية. لا أنه ترك مهمة تهذيبها للمعنيِّين بها.
وإلا فالمدَّعي؛ لا يعدو كونه يُطلق في الهواء بالونات صابونية!
ثم ابن قولويه؛ لم يصفه مترجموه - وبينهم معاصروه - أنه صاحب غلو وأساطير، لو كان كذاك لنعتوه بذاك ..
فعنه قال تلميذه المفيد: «كل ما يوصف الناس به؛ من جميل وفقه ودين وثقة فهو فوق ذلك. وله كتبٌ حِسَان» كما في تاريخ الإسلام للذهبي: ج٨/ ص٢٨٦/ ت٢٧٣، والوافي بالوفيات للصفدي: ج١١/ ص١١٦.
وعنه قال المفيد أيضاً - وسرده بمعيَّة فقهاء عصره ورواته وفضلائه -: «شيخنا الثقة الفقيه» كما في إقبال الأعمال لابن طاووس: ج١/ ص٣٣.
وعنه قال النجاشي: ب ج/ ص١٢٣/ ت٣١٨، «من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه. وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه. وله كتبٌ حِسَان» .. ولعل المقطع الأخير استعاره النجاشي من أستاذه المفيد، كما يبدو.
بل للاحظ عليه ذلك مترجموه من مخالفيه ..
فقد قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام: ج٨/ ص٢٨٦/ ت٢٧٣، «من كبار أئمة الشيعة، ومن علمائهم المشهورين بينهم» .. وبنحو هذه العبارة صدح الصفدي في الوافي بالوفيات: ج١١/ ص١١٦، وكذلك العسقلاني في لسان الميزان: ج٢/ ص٤٧٠/ ت١٩٠٤.
وكتابه "كامل الزيارات" عدَّه المفيد والنجاشي ضمن كتُبه الحِسَان، في عبارتهما الفارطة آنفاً.
وقال المجلسي في البحار: ج١/ ف٢/ ص٢٧، «وكتاب كامل الزيارة؛ من الأصول المعروفة، وأخذ منه الشيخ في التهذيب، وغيره من المحدِّثين».
وقال الميرزا النوري في خاتمة المستدرك: ج٣/ ص٢٤٨، «كتاب كامل الزيارات؛ وهو اسمه الذي سماه به، وهو كتاب مشهور معروف بين الأصحاب، نقل عنه أرباب التأليف منهم».
وقال الشيخ القمي في الكنى والألقاب: ج١/ ص٤٤٧/ ت٤٤٩، «من مصنفاته: كتاب كامل الزيارات، وهو كتاب نفيس».
وقال السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج٤/ ص١٥٥، «هو كتاب مشهور معروف بين الأصحاب، نقل عنه جلُّ من ألَّف في هذا الباب».
وقال الشيخ السبحاني في كليات الرجال: ص٣٠٠، «كتابه هذا؛ من أهم كتب الطائفة، وأصولها المعتمد عليها في الحديث».
هذه بعض تصريحات المختصِّين؛ من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين، حول كتاب كامل الزيارات. فلو كان مليئاً بالغلو والأساطير = لما حظي بهذا الاحترام العلمي، والقبول الواسع!
والشيخ يمتلك أدوات الفقاهة، وليس بساذج أو مغفل، حتى تفوته السخافة والتفاهة. سيما وهو من أكابر رجالات الشيعة، ومؤلفاته محطُّ عناية علمائهم في عاصمتي الثقافة الدينية - وقتذاك - قم وبغداد.
فمقولة: "ابن قولويه ملأ كتابه بالغلو والأساطير، بقصد أو بدون قصد" .. ثرثرة فارغة، لا محتوى لها.
[٥] أخرج الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام: ج٦/ ص١١٣/ ح٢٠١-١٧، ومصباح المتهجد: ص٧٨٨/ ح٨٥٧-١٢، حديثاً مسنداً عن صفوان بن مهران، عن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه "زيارة الأربعين" بصراحة.
وعثر السيد ابن طاووس على تتمة مرويَّة لهذا الحديث، ساقها في كتابيه: إقبال الأعمال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٣، ومصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٩٠ .. هاتِه التتمة تُعتبر حديثاً مستقلاً، له صلة بحديث صفوان.
كما رَوى الشيخ المفيد في المزار: ب٢٣/ ص٥٣/ ح١، والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام: ج٦/ ب١٦/ ص٥٢/ ح١٢٢-٣٧، ومصباح المتهجد: ص٧٨٧، حديثاً مرسلاً عن الإمام العسكري (عليه السلام) يذكر فيه "زيارة الأربعين" صراحة .. غير أن الشيخ ابن المشهدي في المزار: ب١١/ ص٣٥٢/ ح١، أفاد: بأن هذا الحديث مسند عن أبي هاشم الجعفري، عن الإمام العسكري (عليه السلام) بيد أن الشيخ علَّق إسناده. وعبارة السيد ابن طاووس في الإقبال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٠، تفيد: أن هذا الحديث في أصله مسند؛ قال: «روينا بإسنادنا إلى جدِّي أبي جعفر الطوسي، فيما رواه بإسناده إلى مولانا الحسن بن علي العسكري - صلوات الله عليه -».
ورَوى الشيخ القمي في العقد النضيد: ص٤٦/ ح٣٣، خبراً مرسلاً عن المفضل بن عمر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر فيه الخصال التي يُعرف بها الشيعة، وعدَّ منها "زيارة الأربعين".
كذلك رَوى السيد ابن طاووس في مصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٨٦، زيارة مرسلة عن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري، في يوم العشرين من صفر.
وأيضاً أخرج الشيخ الطبري في بشارة المصطفى: ص١٢٤/ ح٧٢، أثراً مسنداً عن الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري، يُشبه أثر ابن طاووس في مصباحه .. وأخرجه من طريق آخر الخوارزمي في مقتل الحسين: ج٢/ ف١٤/ ص١٩٠/ ح٢، وابن كرامة في تنبيه الغافلين: ص٩٠، والمتن بين ذَيْن وذَيْن مختلف.
فهذي ستة نصوص - على الأقل - وردت من طرق الفريقين، في خصوص زيارة الأربعين. فلماذا التشدُّق والتنطُّع بعدم وجود رواية تخصها؟!
قال السيد ابن طاووس في إقبال الأعمال: ج٣/ ب٣/ ف٥/ ص١٠٣، «وجدتُ لهذه الزيارة وداعاً يختص بها». وقال في مصباح الزائر: ف١٠/ ص٢٩٠، «وقد رُوِي أن لهذه الزيارة وداع مخصوص بها».
وقال العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار: ج٩/ ص٣٠١، «زيارة الأربعين؛ صرح الأصحاب: بأنه العشرون من صفر، ولهم شواهد من الأخبار».
وقال السيد محمد باقر الحكيم في دور أهل البيت (عليهم السلام) ج٢/ ص١٩٦، «زيارة الأربعين؛ في اليوم العشرين من شهر صفر، ولها نصٌّ أو نصوص خاصة بها».
[٦] عَنْوَن العلماء "لزيارة الأربعين" في متنوَّع مصنفاتهم ومؤلفاتهم؛ منهم:
• الشيخ المفيد في المزار: ب٢٣/ ص٥٣، قال: «باب فضل زيارة الأربعين».
• والشيخ الطوسي في التهذيب: ج٦/ ص١١٣، قال: «زيارة الأربعين». والمصباح: ص٧٨٨، قال: «شرح زيارة الأربعين».
• والشيخ ابن المشهدي في المزار الكبير: ق٤/ ب١٨/ ص٥١٤/ ح١٠، قال: «زيارة أبي عبد الله الحسين - صلوات الله عليه - يوم العشرين من صفر، وهي: زيارة الأربعين».
• والسيد ابن طاووس في الإقبال: ب٣/ ف٥/ ص١٠٠، قال: «فيما نذكره من فضل زيارة الحسين - عليه السلام - يوم العشرين من صفر». وفي المصباح: ف١٠/ ص٢٨٦، قال: «فصل: في زيارة الأربعين، وشرح ما ورد في كيفيتها».
• والشهيد الأول في المزار: ص١٨٥، قال: «ومنها: زيارة الأربعين، وهو اليوم العشرون من شهر صفر».
• والشيخ الكفعمي في المصباح: ص٤٨٩، قال: «زيارة الأربعين».
• والشيخ البهائي في توضيح المقاصد: شهر صفر/ ص٦، قال: «فيه زيارة الأربعين لأبي عبد الله الحسين - عليه السلام -».
• والفيض الكاشاني في الوافي: ج١٤/ ب٢٠٠/ ص١٥٨١، قال: «باب كفية زيارة الأربعين».
• والحر العاملي في الوسائل: ج١٤/ ب٥٦/ ص٤٧٨، قال: «باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين - عليه السلام - يوم الأربعين من مقتله، وهو يوم العشرين من صفر».
• والعلامة المجلسي في البحار: ج٩٥/ ب١١/ ص٣٤٨، قال: «باب أعمال خصوص يوم الأربعين، وهو يوم العشرين من هذا الشهر». وفي ج٩٨/ ب٢٥/ ص٣٢٩، قال: «باب زيارة الأربعين». وفي ملاذ الأخيار: ج٩/ ص٣٠١، قال: «زيارة الأربعين».
• والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، قال: «زيارة الحسين - عليه السلام - في العشرين من صفر».
• والسيد البروجردي في جامع أحاديث الشيعة: ج١٢/ ب٥٥/ ص٤٢٩، قال: «باب استحباب زيارة الأربعين وكيفيتها».
• والشيخ القمي في مفاتيح الجنان: ص٦٨١، قال: «زيارة الأربعين؛ أي: اليوم العشرين من صفر».
• والشيخ الاصطهباناتي في نور العين: ب٢٢٠/ ص٣٦٩، قال: «باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين - عليه السلام - يوم الأربعين، وهو يوم العشرين من صفر».
فهاؤم علماؤنا - بامتداد تاريخنا - يبوِّبون لزيارة الأربعين بالبند العريض. ولا يخفى: أن العَنْوَنة تشفُّ عن واقع حقيقي، سيما في المصادر الفقهية؛ من قبيل: العَنْوَنة فيها لألوان العبادات والمعاملات، من الطهارة إلى الدِّيات، إذ لا معنى لعنوان لا مُعَنْوَن له!
[٧] أفتى الفقهاء باستحباب "زيارة الأربعين" منهم:
• الشيخ المفيد في مسار الشيعة: ش صفر/ ص٤٦، قال: «وفي اليوم العشرين منه .. ويستحب زيارته - عليه السلام -».
• والشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: ص٧٨٧، قال: «ويستحب زيارته - عليه السلام - فيه، وهي: زيارة الأربعين».
• والسيد ابن طاووس، كما في البحار: ج٩٥/ ب١١/ ص٣٤٨/ ح١، قال: «يوم العشرين منه؛ يستحب فيه زيارة الحسين - عليه السلام -».
• والعلامة الحلي في منتهى المطلب: ج٢/ ص٨٩٢، قال: «ويستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله - عليه السلام - وهو العشرون من صفر». وفي تذكرة الفقهاء: ج٨/ ص٤٥٤/ م٧٧٠، قال: «وتستحب زيارته في .. ويوم العشرين من صفر». وفي تحرير الأحكام: ج٢/ م١٥/ ف٣/ ص١٢٢/ م٢٦٥٤، قال: «ويستحب زيارته في .. والعشرين من صفر».
• والشهيد الأول في الدروس الشرعية: ج٢/ ص١٠، قال: «وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن».
• والشيخ الكفعمي في البلد الأمين: ص٢٧٤، قال: «يستحب في العشرين منه: زيارة الحسين - عليه السلام - وهي زيارة الأربعين».
• والفيض الكاشاني في تقويم المحسنين «نصَّ على استحبابها» كما في نور العين: ص٣٧٥، ومقتل الحسين: ص٣٧٢.
• والحر العاملي في هداية الأمة: ج٥/ ب٩/ ص٤٨٨، قال: «يستحب زيارته يوم الأربعين من مقتله».
• والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناضرة: ج١٧/ ص٤٣٤، قال: «وزيارته في العشرين من صفر؛ من علامات المؤمن».
• والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، قال: «ومن زيارات الحسين - عليه السلام - المخصوصة؛ يوم العشرين من صفر، الذي قد لا يُرتاب في أن مزيد فضل العشرين منه، وفضل الأعمال فيه - وخصوصاً زيارة الحسين عليه السلام - عند الإمامية كنارٍ على عَلم».
• والشيخ حسين آل عصفور في سداد العباد: ص٤٠٥، قال: «وتتأكد في .. ويوم الأربعين من مقتله - عليه السلام - وهو اليوم العشرون من صفر».
• والميرزا الملكي في المراقبات: ص٣٩، قال: «يلزم على الرجل المراقب؛ أن يجعل يوم الأربعين يوم حزنه، ويسعى أن يزوره - صلوات الله عليه - عند قبره، ولو مرَّة في عمره».
• والشيخ القمي في مفاتيح الجنان: ف٨/ ي٢٠/ ص٤٥٤، قال: «ويستحب فيه زيارته - عليه السلام -».
• والسيد جعفر العاملي في مختصر مفيد: ج١/ ص٢٢٢، قال: «إنه لا ريب في استحباب زيارة الأربعين للإمام الحسين - عليه الصلاة والسلام - .. وقد حكم العلماء باستحباب هذه الزيارة».
فهذه الكثافة الفتوائية - قديماً وحديثاً - باستحباب "زيارة الأربعين" لدليل واضح على ثبوت استحباب خاص لها في العشرين من صفر، إلا أن يُتجرأ ويقال: الفقهاء أفتوا بها دون مستند شرعي!
[٨] زيارة الأربعين معروفة منذ القِدَم، والقصد إليها مشهور بين الناس .. فمثلاً:
قال أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية: ص٣٣١، «وفي العشرين رُدَّ رأس الحسين إلى جثته، حتى دُفِن مع جثته، وفيه زيارة الأربعين».
وقال الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد: ص٧٨٧، «وهي: زيارة الأربعين» .. ومثله قال الشيخ ابن المشهدي في المزار الكبير: ق٤/ ب١٨/ ص٥١٤/ ح١٠، وكذا الشيخ الكفعمي في البلد الأمين: ص٢٧٤.
وقال الشيخ الحبلرودي في التوضيح الأنور: ص١٤، «عزمتُ على زيارة الأربعين، في سنة ثمانمائة من الهجرة مع تسع وثلاثين» .. ونقله عن مخطوطته السيد الأمين في أعيان الشيعة: ج٦/ ص٣٢٣.
وقال الشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، «ومن زيارات الحسين - عليه السلام - المخصوصة؛ يوم العشرين من صفر، الذي قد لا يُرتاب في أن مزيد فضل العشرين منه، وفضل الأعمال فيه - وخصوصاً زيارة الحسين عليه السلام - عند الإمامية كنارٍ على عَلم».
وقال السيد المقرَّم في مقتل الحسين: ص٣٦٥، «ولهذا اطَّرَدت عادة الشيعة؛ على تجديد العهد بتلكم الأحوال، يوم الأربعين من كل سنة».
عبارات الأعلام هذه؛ صريحة في: أن زيارة الأربعين متسالمة بين الشيعة .. فالأسلوب البياني للبيروني المتوفى سنة ٤٤٠هـ، والطوسي المتوفى سنة ٤٦٠هـ، والمشهدي المتوفى بعد سنة ٥٨٠هـ، والكفعمي المتوفى سنة ٩٠٥هـ، جليُّ الدلالة: أن زيارة الأربعين متعارفة؛ إذ تركيب الجملة إشارة إلى ما بإزائها في الخارج الفعلي، والألف واللام في "الأربعين" للمعهود المرتكز في الأذهان.
أما عبارات: الحبلرودي المتوفى بعد سنة ٨٥٢هـ، وابن شلال المتوفى سنة ١٢٥٥هـ، والمقرَّم المتوفى سنة ١٣٩١هـ؛ فهي نصٌّ في المطلوب.
فمقولة: "لم يَلحظ السائرين - في وقته - إلى زيارة الحسين عليه السلام، في خصوص هذه المناسبة، لعدم وجودهم أصلاً" يعاكسها الواقع التاريخي!
[٩] "زيارة الحسين (عليه السلام) محببة في كل حين، لكن ثبوت استحباب خاص لها يوم العشرين من صفر؛ دعوى لا تستند إلى دليل".
الملاحظ؛ أن المدَّعي تناقض في دعواه خلال سطرين! فهو زعم "ألاَّ وجود لرواية خاصة" ثم تراجع وزعم "عدم ثبوت رواية خاصة" وهذا تهافت بيِّن؛ إذ عدم وجودها نفيٌ، وعدم ثبوتها إثباتٌ.
ثم عدم الوجود؛ ثبت بطلانه لا أقلَّ بستِّ روايات .. وعدم الثبوت؛ ثبت بطلانه بالتزام جمهرة العلماء المتقدمين والمتأخرين.
وهاؤم مستنداً شرعياً يُسِنُّ زيارة الأربعين - بصيغتها المتداولة - دون الحاجة لتوارد أدلة خاصة بها ..
أما استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في كل حين؛ فمن ضروريات المذهب بلا إشكال؛ كما قال الشيخ الجواهري في جواهر الكلام: ج٢٠/ ص٩٥، والشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف٢/ ص٢٥٠. ويكفي - في المقام - ما قاله الشيخ الكفعمي في المصباح: ص٤٩٠، «يستحب زيارة الحسين - عليه السلام - في كل شهر، بل في كل يوم» .. والكاتب نفسه اعترف بهذي الجزئية!
وأيضاً المشي إلى زيارته (عليه السلام) مستحب أكيد؛ والشيخ الاصطهباناتي في نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين: ب١/ ص١١، أحصى ٢١ رواية، تحتوي على مفردة "المشي" أو ما في مؤداها، وهذا عدد كبير، تحصل به الاستفاضة بل التواتر.
منها: ما أخرجه الشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات: ب٤٩/ ص٢٥٤/ ح٣٨١-٤، بسند معتبر، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «من أتى قبر الحسين - عليه السلام - ماشياً؛ كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة».
فلو تنازلنا - تساهلاً وتسامحاً - عن ثبوت خصوص زيارة الأربعين؛ فيمكن تحصيل استحباب المشي إلى زيارته (عليه السلام) في نفس هذا التوقيت "٢٠ صفر" وبالطريقة المعتادة، من عموم أدلة استحباب زيارته (عليه السلام) .. ولا إخال الكاتب يناقش في هكذا استدلال فقهي.
[١٠] "دعوى ثبوت استحباب خاص لزيارة العشرين من صفر؛ لا تستند إلى دليل، غير قصة التسامح في أدلة السنن المتأخرة، وهي غير ثابتة عند مشهور الفقهاء المعاصرين".
بعض المباني الحوزوية تقبل بأسناد الروايات المذكورة، ولا تعتمد فيها على "قاعدة التسامح في أدلة السنن" .. فمثلاً: قال الشيخ خضر بن شلال في أبواب الجنان: ب٤/ ف١٢/ ص٤٠٥، «رُوِي عن الشيخ؛ في التهذيب والمصباح - بإسناد معتبر - عن صفوان الجمال» .. وقال السيد جعفر العاملي في مختصر مفيد: ج١١/ ص٩٧، «وقد رُوِي - بسند صحيح - عن صفوان بن مهران، عن الإمام الصادق - عليه السلام - نصُّ زيارة الأربعين».
ثم "قاعدة التسامح في أدلة السنن" ليست متأخرة؛ بل دُشنت ومُورست منذ عقود مبكرة .. مثلاً:
أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك: ج١/ص٤٩٠، والمدخل: ص٢٩/ ح١١، بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن مهدي المتوفى سنة ١٩٨هـ، أنه قال: «إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والأحكام؛ شدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال. وإذا روينا في فضائل الأعمال، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات؛ تساهلنا في الأسانيد».
وهذا المعنى مذكور عن: سفيان الثوري المتوفى سنة ١٦١هـ، وسفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨هـ، وأحمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٤١هـ، وأبي داود السجستاني المتوفى سنة ٢٧٥هـ، وغيرهم كثُر.
وقد عقد الخطيب البغدادي في الكفاية: ج١/ ص٣٩٨، والجامع: ج٢/ ص٩١، باباً يذكر فيه من التزم القاعدة.
وصرح مخالفونا؛ أن هذي القاعدة مورد إجماعهم ..
قال الحافظ النووي في الأذكار: ص٨، «قال العلماء؛ من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويستحب العمل - في الفضائل والترغيب والترهيب - بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعاً».
وقال المحدِّث الهيتمي؛ كما في الأجوبة الفاضلة: ص٤٢، «اتفق العلماء؛ على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال».
وقال المُلاَّ القاري؛ كما في الأجوبة الفاضلة: ص٣٧، «إن الحديث الضعيف معتبر في فضائل الأعمال، عند جميع العلماء من أرباب الكمال».
وقال الدكتور عِتْر في منهج النقد: ص٢٩٢، «يستحب العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ من المستحبات والمكروهات. وهو مذهب جماهير العلماء، من المحدِّثين والفقهاء وغيرهم».
بل صرح أصحابنا؛ أن القاعدة مشهورة بينهم، وزعم غير واحد اتفاقهم عليها ..
قال الشهيد الأول في ذكرى الشيعة: ج٢/ ص٣٤، «أحاديث الفضائل؛ يُتسامح فيها عند أهل العلم».
وقال الشهيد الثاني في الرعاية: ص٩٤، «وجوَّز الأكثر: العمل به - أي: بالخبر الضعيف - في نحو: القصص، والمواعظ، وفضائل الأعمال. لا في نحو: صفات الله المتعال، وأحكام الحلال والحرام. وهو حسن؛ حيث لا يبلغ الضعف حدَّ الوضع والاختلاق. لما اشتهر بين العلماء المحققين من: التساهل بأدلة السنن».
وقال الشيخ الأنصاري في رسائله: ص١٣٧، «المشهور بين أصحابنا والعامة: التسامح في أدلة السنن».
وقال السيد المراغي في العناوين: ج١/ص٤٢٠، «اشتهر في كلمة الأصحاب - سيما المتأخرين منهم - التسامح في دليل المستحبات والمكروهات. ويتفرع على هذه القاعدة كثير من الأحكام الشرعية في أبواب الفقه؛ إذ أغلب المندوبات والمكروهات ليس له دليل قوي، مع أن الفقهاء يفتون به».
وقال الميرزا الآشتياني في بحر الفوائد: ج٢/ ص٦٥، «إن المشهور بين الأصحاب - بل العامة - ثبوت التسامح في أخبار السنن .. بل عن غير واحد: نقل الإجماع على ذلك».
وصدقوا جميعهم؛ إذ قال ابن فهد الحلي في عدة الداعي: ص٢٠، «صار هذا المعنى مجمعاً عليه عند الفريقين».
ثم لو كانت "قاعدة التسامح" متأخرة - حسب زعم الكاتب - فعلى ماذا اعتمد متقدِّموا الأصحاب في اعتبارهم روايات زيارة الأربعين؟ وإفتائهم باستحبابها؟ .. فإن كان مستندهم القاعدة المذكورة؛ ثبت تقدمها لا تأخرها. وإن كان مستندهم غيرها؛ ثبت استنادهم إلى غيرها لا إليها .. وكلا الأمرين نقيض مدَّعَى الكاتب، فليختر أيهما يشاء.
ثم عدم ثبوت "قاعدة التسامح" عند بعض المعاصرين - قلوا أم كثروا - لا يشطب ثبوتها لدى قُدَامى ومُحْدَثي الفريقين. ولا يلغي مفاد أخبار زيارة الأربعين؛ حيث أن القاعدة لا تتصرف في موضوعها، بل تتحكم بمحمولها، فتبقى خصيصتها على ما هي عليه، غاية الأمر انتفاء حُجيتها.
على أن "قاعدة رجاء المطلوبية" التي يرتضيها المعاصرون، والتي هي صياغة مبتكرة لروايات "من بلغه" المتواترة - كما يصفها الشيخ الأنصاري في رسائله: و٣/ ص١٤٢ - لا يمكن لها أن ترجو الواقع ابتداء، بدون معونة مدلول الخبر الضعيف، فلابدَّ من وقوع العمل المستفاد من الخبر موضوعاً لمحمولها.
وعليه: لا مناص من الالتزام بخاصية روايات زيارة الأربعين، سواء بإعمال قاعدة التسامح، أو بإعمال قاعدة الرجاء، أو بالمحاكمة السندية، لا فرق.
تعليقات
إرسال تعليق