عاشوراء الحسين (ع) باب التوبة ومراجعة النفس

🔶 المقدمة :

قال تعالى :
﴿قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى﴾. [١]

عظم الله أجورنا وأجوركم في ذكرى استشهاد الإمام الحسين ع ذلك السبط الذي فرض الله طاعته و أوجب مودته و أمر باتباعه، هذا شهر الحزن و هذه أيام المصيبة العظيمة و الملحمة الخالدة التي سطرها الأبطال الشجعان و الفقهاء  الأصحاب و الأطفال و النساء بقيادة سيد شباب أهل الجنة لتكون منارة للفاتحين و منهجا للمصلحين في وجه الظلم و الطغيان و البغي و العدوان يتقرب فيها المؤمنون إلى الله بالصرخات و الضجيج و الدموع و العجيج يحيون أمرهم و يقيمون شعائرهم بقلوب مفجوعة و صدور ملطومة رافعين العزاء إلى بقية الله في أرضه و خليفته في خلقه الموعود بالنصر و التسديد و العون و التأييد و إلى رسول الله ص الذي ما رعت الأمة وصيته و لا حفظت قرابته و لا وصلت رحمه.

يقول الشاعر :
أوصى الإله بوصل عترة أحمد
فكأنما أوصى بها أن تقطعا. [٢]

🔶 أهل البيت ع ... طريق الخلاص

قال تعالى :
 ﴿وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحيمًا﴾. [٣]

من نعم الله عز وجل على العبد أن جعل باب التوبة مفتوحا للمذنبين و العصاة و رغبهم و حببهم إليه لينقذهم من حبال الشيطان و ينجيهم يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وجعل اليأس من روحه و القنوط من رحمته كبيرة من الكبائر فما أوسع رحمته و ما أكرم ساحته و كان من عظيم منه و هدي سبيله أن أنقذنا بمحمد و آله عليهم السلام من الضلالة فجعلم أئمة يهدون بأمره و سادة يقتدي بهم خلقه ينهلون من محاسن كلامهم و يتبعون جميل فعالهم فالراغب عنهم مارق و اللازم لهم لاحق و المقصر في حقهم زاهق.

ورد عن النبي ص :
( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق ). [٤]

🔶 تغذية الروح ... سبيل النجاة

قال تعالى : ﴿ أَلا بِذِكرِ اللَّهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ﴾. [٥]

و من طرق الارتباط بهم و الركون إلى ساحتهم تغذية الروح و ترويضها على الطاعات و اجتناب المعاصي و العودة إلى الله بعد كل ذنب و طلب المغفرة بعد كل معصية
و لكون الموسم العاشورائي مليئ بالعاطفة الجياشة و مظاهر العبادة الجماعية كانت مراجعة النفس و التوقف لمحاسبتها فرصة يغتنمها الإنسان لنجاته و ترتيب أوراق حياته .

١- تنظيم الوقت له دور كبير في تنسيق الأعمال اليومية ليتمكن المرء من تحديد واجباته تجاه دينه و أسرته و مجتمعه

٢- أداء الصلوات في وقتها جماعة مظهر قوة و عزة للمؤمنين و لها فضل و ثواب عظيم

٣- حضور مجالس الذكر و البكاء على اهل البيت ع يساهم في تعميق مفهوم المودة و القربى لهم

٤- استحضار وجود الإمام المهدي ع و الدعاء له بالفرج

٥- الإكثار من قراءة القرآن و الدعاء و الأذكار و الأوراد اليومية و زيارات الأئمة ع و الصلاة على محمد و آله

٦- التعامل مع الآخرين بنفس متواضعة و أخلاق كريمة توقيرا للكبير و عطفا على الصغير

٧- الاجتهاد في بر الوالدين و التقرب إلى الله بطاعتهما

٨- الورع عن المعاصي كالكذب والغيبة و النميمة و الاستهزاء و أكل المال الحرام و الفاحش من القول

٩- المشاركة في الأعمال التطوعية و المبادرات الخيرية

١٠- الإهتمام بطلب العلم و تحصيل المعارف

هذه مجموعة من السلوكيات و الأعمال الثابتة بالقرآن الكريم و السنة الشريفة فيها ترويض للروح و تهذيب للنفس تساعد على صناعة الشخصية الإيمانية لترقى إلى مراتب العلو و الكمال و تفوز بالجنة و الرضوان.

🔶 الخاتمة :

قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوّابينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرينَ﴾. [٦]

إعلم أيها الأخ الكريم أن المعصية واردة و الذنب مقترف فقد جبلت البشرية على جهاد النفس و تربية الروح و تكامل الأخلاق و أن السعيد من اتعظ بغيره و كفى بالموت واعظا و السعادة الأبدية و الحياة السرمدية مبنية على ما يقدمه الإنسان في هذه الدنيا و قد وعد الله و وعده الحق أن يوفي الصابرين أجرهم فمهما فعلت من الذنوب و مهما بلغت من المعاصي و مهما كبرت في عينك الرزية فإن رحمة الله عز وجل وسعت كل شيئ و إياك أن تزدري عبدا لكثرة معاصيه و تساهم في صده عن سبيل الله و لتبذل جهدك في إصلاح ذاتك و تحرير نفسك و وقايتها و من تحب من براثن الشياطين لتكسب رضا الله عز وجل و تفوز بجنة وسعها السماوات و الأرض.

ورد عن الإمام الرضا ع :
( من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد و آل محمد فإنها تهدم الذنوب هدما ). [٧]


-------------------------------------------------
[١] الشورى : ٢٣
[٢] من قصيدة للسيد صالح الحلي
[٣] النساء : ٦٤
[٤] مستدرك الحاكم ج ٤ ح ٤٧٧٤
[٥] الرعد : ٢٨
[٦]  البقرة : ٢٢٢
[٧] عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٦٥

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»