قُطَّاعُ الطرق
إن الإنسانَ الذي يريد السفر من بلدٍ إلى بلد فإنه إذا احتمل وجود قطاع طرق يسرقون المال، وينهبون المتاع، ويروِّعون الناس، فإنه يتراجع عن سفره بمقدار ذاك الاحتمال في نفسه، فإذا ارتفع الاحتمال لحد القطع واليقين، فإنه يتراجع عن السفر إلا إذا تمكن من استجماع أمرين أو واحد منهما:
الأول: أن يقوِّي نفسه بما يُسهِّل عليه مواجهة قُطَّاع الطرق واللصوص والسُّراق.
الثاني: أن يتقوَّى برجال الأمن الأقوياء الأمناء من أجل حمايته ودفع مكائد قُطَّاع الطرق عنه.
فإذا تحقق الأمران أو أحدهما فإنه يعزم على السفر بمقدار ما تحصَّل في نفسه من الاطمئنان، وإذا انتفى الأمران معا وقرَّر السفر فإن سفره يوشك أن يكون انتحارًا.
أيها العزيز، إنك في سفر الدنيا تحتاط أشد الاحتياط، وتسعى بكل حيلة لكي لا تكون أسيرًا بين يدي قطاع الطرق، أو مسروقًا على أيدي اللصوص والمجرمين، وتهرب منهم هروبك من الأدواء والأمراض، ولا تفكر بالانفتاح عليهم ولا بالاستعانة بهم ولا بوضع يدك في أيديهم مع أن خسارتك في الدنيا قد تعوُّض، ومالك المسروق قد يعود، وحقوقك قد تُسترد.
ولكن!! كيف بسفرك إلى الله الذي هو منتهى كل العلوم والعبادات والطاعات؟؟ كيف بسفر الآخرة والوصول إلى المولى الجليل سبحانه؟؟ كيف بهذا السفر الذي إذا انتهى فيه زادُك قبل الوصول فلن تصل؟؟ وإذا سُرق فيه عقلُك ونهبت بصيرتُك فإنك لن تجدهما مرة أخرى إلا أن يستنقذك الله من الضلالة؟؟ أ لا يتوجب عليك أن تتعرف على قطاع طريقك إلى الله لتحذرهم؟؟ أ لا يتطلب ذلك منك أن تكون أكثر صدقًا مع نفسك وتحتمي لآخرتك بأشد من احتمائك لدنياك؟؟
إن أول من أعلن عن ترصده للناس وقطع طريقهم إلى الله هو "إبليس"، إذ قال القرآن حكايةً عنه: ( ... لأقعدن لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين )، إنه يسرق منهم لُباب العقول، ويستحسن لهم الدنيا ويزين الباطل في نفوسهم ويجعله في صورة الحق، فإبليس هو أبو قُطَّاع الطرق إلى الله، وقد ذكر الله الكثير من الأبالسة في كتابه كانوا يسعون بين الناس ليقطعوا عليهم طريقهم الواصل إلى الله سبحانه.
إن قوم نبي الله شعيب في مدين كانوا يصرفون الناس عن الله بحجج وأقاويل وأفعال فاسدة مفسدة حتى قال لهم شعيب: ( ولا تقعدوا بكل صراط تُوعِدون وتصُدُّون عن سبيل الله مَن آمن به وتبغونها عِوجًا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثَّركم وانظروا كيف كان عاقبةُ المفسدين ).
فكل من قطع طريقك إلى الله فهو "إبليسيٌ شيطانيٌ" وإن كان في صورة ناسكٍ متهجد أو عالمٍ متبحِّر، وإنَّ أعظم ما يفتتن به الناسُ هم "العلماء" المفتونون بالمناصب، والراغبون في المكاسب، الطامعون في الدنيا، الساخطون على نظرائهم من العلماء الصادقين العاملين. وقد ذكر الله في كتابه حكاية مَن أعطاه علمًا جمًّا ثم انتكس فارتكس فهوى في غياهب الظلمات والجهالات حتى لم يعد يبصر بعد علمِه شيئًا من الحق والهدى ( واتلُ عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ).
وكم لهذا الرجل من شبيه ونظير في أزماننا، والصفة الجامعة بينهم: ( الطمع في الدنيا والغرور بالأنا )، فكل من اتصف بذلك فهو من جملة من يجب أن تحذرهم؛ لأنهم ( قطَّاع طريقِك إلى الله )، وقد روى شيخُنا الصدوق في العلل عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: [ إذا رأيتم العالم محبًا للدنيا فاتهموه على دينكم ] وقد [ أوحى الله (عز وجل) إلى داوود (عليه السلام): لا تجعل بيني وبينك عالـمًا مفتونًا بالدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فإن أولئك قُطَّاع طريق عبادي المريدين، إن أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم ].
فإذا كنت تريد النجاة من هؤلاء أن يقطعوا طريقَك إلى الله، فافزع إلى رجال "الأمن" الأقوياء الأمناء الذين يُؤمِّنون طريقَ وصولِك إلى الله ( بورعٍ واجتهاد، وعِفّة وسَداد ) .. وهم المطيعون لأمر مولاهم، المخالفون لنزعتهم وهواهم، وأما غيرُ هؤلاء فاهرب منهم هروبَك من الأدواء والأمراض، فإنهم سيقطعون عليك طريق الوصول إلى الله لا محالة، وإنهم ( عن الصراط لناكبون ).
أحسنت لا شلت أناملك ولا نصب ينبوعك.
ردحذف