المحذور في تأسيس فقهٍ جديد [3/2]

الشيخ معين دقيق العاملي

☆ خلاصة ما تقدّم: أنّ التزام الفقيه بمطلبٍ يؤدي إلى مجموعةٍ من الالتزامات يعدُّ تبنّيها خروجاً عن المسار العام للارتكازات الثابتة في الشريعة، يُسمّى عندهم بـ(تأسيس فقه جديد). بلا فرق بين أن يكون الملتزم به منهجاً، أو تفسيراً لظاهرةٍ أو موضوع، أو بناءً على قضيةٍ نفياً أو إثباتاً، أو غير ذلك. كما أنّ بطلان الملزوم لهذا التالي الفاسد لا يختصّ بصورة العلم بالملازمة. وهذا غير مجرّد ترتّب التالي الفاسد على الاعتقاد بشيء، مع عدم وصوله إلى تشكيل ظاهرةٍ يخرج بها الفقيه عن المسار العام المرتكز عند أهل الشرع.

⊙ بعد وضوح المقولة المتقدّمة وبيان معالمها، يقع الكلام في مدركها، فنقول: إنّه قبل بيان مدركها أرغب في نقل كلام لصاحب تلك المقولة العجيبة الواردة في سؤال السائل، وهي: (أنّه لم يثبت عندنا أنه لا بدّ من بقاء حجر على حجر، وأنّه لا يجوز تأسيس فقه جديد، أوليس الفقهاء أسّسوا لنا فقهاً غير موجود في الكتاب والسنة)؛ حيث إنّ صاحب هذا المقولة في دروس له تحت عنوان (مفاتيح عملية الاستنباط الفقهي/ ٦٥)، نراه ينظّر ويدافع عمّا يُسمّى عند الفقهاء (بلزوم تأسيس فقه جديد)، وأنقل مقاطع منه؛ ليرى القارئ التناقض الواضح الذي ذكره هذا البعض في مقولته العجيبة، وبين ما ادّعاه في الدرس المشار إليه، والمنشور في موقعه، قال:

¤ أنّ هناك محذوراً لا يمكن لأي فقيهٍ أن يتجاوزه وأن يتخطاه، سواء كان عنده دليلٌ على الخلاف أو لم يكن عنده دليل على الخلاف، هذه المسلمات لا يمكن تجاوزها، وهي التي عبرنا عنها بأنّه يلزم تأسيس فقهٍ جديد.

¤ أنّ هذه الكبرى التي ذكرت لم يتم توضيحها في كلمات الأعلام، يعني لم يأت فقيه ليقول لنا ما هو المراد من هذه الكبرى، ما معنى أنّه يلزم تأسيس فقهٍ جديد؟ إنّ هذه الكبرى لم يرد توضيحاً لها في كلمات فقهائنا الأعلام (قدس الله أسرارهم)، ولكنّها كما قال أستاذنا الشهيد إنّ هذه الكبرى ثابتة وجدانياً وتوجد فيها قناعة وجدانية.

¤ ثم بعد ذلك يبدأ بالافتخار، بأنّ الفقهاء ذكروا هذه الكبرى، لكنّهم لم يبيّنوا المقصود منها، ولا بيّنوا أركانها، وموارد استعمالها، وغير ذلك، وهو وحيد عصره الذي بيّن كل تلك الأمور (مع تحفظي على هذه الدعوى، ويظهر وجه التحفّظ لكل من طالع الدرس المشار إليه).

¤ إنّ الذي يظهر من كلمات الفقهاء والمحققين أنّ هناك محذوراً لا يمكن الالتزام به، وهذا المحذور يُجعل غالباً دليلاً برأسه لإبطال كل دعوى تؤدي إلى ترتب ذلك المحذور (هذا ما نقله هو نفسه عن الشهيد الصدر في بداية كتابه قاعدة لا ضرر، وذكر أنّ هذه عبارة كاسيت، لا تقرير للشهيد/ ذكر ذلك في درس الفقه: ٤٧٥).

⊙ وهنا سواء علّقت أم لم أعلّق على هذا الكلام، يتضح ما أقصده للقارئ اللبيب، فمن جهةٍ يقول هذا البعض: (إنّه لم يثبت عندنا أنه لا بدّ من بقاء حجر على حجر، وأنّه لا يجوز تأسيس فقه جديد)؛ ومن جهةٍ يجعل ذلك من المسلّمات التي لا يمكن تجاوزها، ويؤيّد ما قاله الشهيد الصدر رحمه الله أنّ هذا الكبرى من الوجدانيات، ويفتخر بأنّه قد أوضح هذه الكبرى دون سائر الفقهاء، وبيّن أركانها، ومواردها، و..، فكيف يجتمعان!!! فهل تخلّى عن الوجدان عندما قال: (لم يثبت عندي أنّه لا يجوز تأسيس فقه جديد)؟!

⊙ أمّا الدليل على هذا المقولة المسلّمة في كلمات الفقهاء والمحققين، فيأتي الحديث عنها إن شاء الله...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»