هيدا قرآن والاّ مش قرآن؟

الشيخ أبو جعفر العاملي

انتشر أمس مقطع لجويهل اعتلى منبرًا لتفسير كلام الله، قيّاس أعمل رأيه السفيه في كتاب الله، لم يعنِّ نفسه بالبحث والتمحيص قبل التقوّل على الله ورسوله، ادعى في ما ادعاه أن محمدًا (صلى الله عليه وآله) -والصلاة مني لا منه- لا يدري إن كان مصيره إلى الجنة أو النار، مستندة إلى الآية الكريمة: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(1). ثم عقب متهكمًا، هيدا قرآن وللا مش قرآن؟

ونحن لسنا بالعقول المتحجرة التي تُقَدِّم اعتقاداتها الفاسدة على صريح القرآن، فلنرَ إذا هل ما تفوّه به قرآن أو لا:
أولاً: الآية المذكورة لو لوحظ سياقها لعُرف أنها غير ناظرة إلى المصير الأخروي، بل هي ناظرة إلى الحوادث الدنيوية التي كان المحاججون يطالبون النبي (صلى الله عليه وآله) بالتنبؤ بها، فهي تنفي علم النبي صلى الله عليه وآله بهذه الأحداث، إذا هي أجنبية عن مدعاه.
ثانيًا: عقّبت العبارة المقصودة مباشرة بـ" إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَي" وهي تفيد أن نفي العلم عن الرسول (صلى الله عليه وآله) هو نفي عنه بما هو بشر، أما بما هو رسول يوحى إليه فإن الوحي طريقه لعلم الغيب.
ثالثًا: لو أعرضنا عما ذكر أعلاه، فإن دخول النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الجنة من البديهيات العقلية التي لا يشك بها عاقل، وكونه بديهية يشكل قرينة تقيد سياق الآية إن سلمنا جدلا أنها تفيد مدعاه.

أقول:
- النبي (صلى الله عليه وآله) لا يعلم الغيب ولكن المتكلم يعلم ما في الصدور ويرمي مثلا المتجاهر بالإفطار ولو كان معذورًا في افطاره، إذا أحيى هذا المتجاهر عاشوراء، يرميه بأنه كذاب أشر.
- الأحاديث التي أشار إليها، والتي تضمن الجنة لمن يفعل فعلا معينا، ليس عندنا من يقول بأنها إخبار عن علية تامة بين العمل وضمان الجنة، بل هي محمولة على أن هذا العمل مقتضٍ لدخول الجنة، ولكن دخول الجنة متوقف على عدم المانع الذي منه بل أهمه نيران الذنوب التي تحرق أشجار الطاعات.
- "أبخل البخلاء من ذكرت عنده ولم يصلّ علي"، فكيف بمن يذكر محمدًا (صلى الله عليه وآله) على منبره مرارًا دون أدنى تعظيم أو صلاة.
- لولا خطورة الفكرة الواردة لما عنيت نفسي بالرد، ولكن أي شك يدخل على قلبك كمؤمن إذا عرفت أن نبيك وقدوتك غير معروف المصير في الآخرة؟
--------------------
(1) سورة الأحقاف: 9.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

صورة
سأل أحد الإخوة: انتشر حديث في هذه الأيام في وسائل التواصل الاجتماعي يُنسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ونصّه: (يأتي عليكم زمانٌ تصبح أعيادكم كأيّامكم)، ما مدى صحّة هذه النسبة؟ والجواب: ☆ بدايةً ألفتُ نظر الإخوة والأخوات إلى أنّه قد كثر بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي نسبة أحاديث إلى النبيّ الأعظم وأهل بيته المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، والحال أنّها موضوعة ولا وجود لها حتّى في خبر مرسلٍ وضعيف. وهذا يدعونا للتساؤل عن منشئها، والغرض من نشرها؟! ⊙ ويمكن وبشكلٍ سريعٍ أنْ أُشير إلى خطورة هذا الأمر من خلال الالتفات إلى النقاط التالية: - كثيراً ما يكون ابتداع مثل هذه الأحاديث لتمرير بعض الأفكار المغرضة والبعيدة عن الدين، ومحاولة لصقها بالدين؛ لترويجها في المجتمعات المتديّنة. - إبعاد الطبقات المثقّفة عن دينهم، بنشر أحاديث مجهولة المصدر، وركيكة المضمون، الأمر الذي يؤدّي إلى بروز حالةٍ من التشكيك في كلّ ما يسمع من أخبار وأحاديث، فتنعدم الثقة في هذا المجال، ويبتعد شبابنا عن تراثهم الديني. - إنّ الترويج لأحاديث قد تنسجم مع رغبات الجمهور، كثيراً ما يؤدّي إلى اطمئنا...
قراءة المزيد

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

صورة
سأل أحد المؤمنين: ورد في في السير أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال يوم عاشوراء: (وَيْحَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ وَارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَتُقَاتِلُونِّي وَالنِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحُرَمِي مَا دُمْتُ حَيّاً)، وكأنّ شمراً لم يفهم بدايةً ما قال إمامه، وما هو مقصوده من كونهم شيعة آل أبي سفيان، ومعنى أن يكونوا أحراراً، ومعنى الحرية في الدنيا، وكيف أرجعه إلى نسبه، وما قصد الإمام بذلك؟ وكيف يزعم أنه من العرب؟! فأردف اللعين قائلاً: (ماذا تقول؟). فسّهل عليه الإمام عليه السلام حديثه، وهو منعهم عن حرمه. هل حقيقة كانوا لا يعلمون أنّ هناك معادا؟ وأنهم ليسوا من العرب؟ وهل أنّ الشمر لا علم له بكونه من شيعة أبي سفيان، ليستفهم من الإمام عليه السلام ماذا يقول؟ والجواب: ☆ لا بدّ من بيان ال...
قراءة المزيد

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟

صورة
سأل أحد المؤمنين: هل ورد لقب (أبو صالح ) بحقّ صاحب العصر والزمان في الروايات؟ أم هو من صنع علمائنا القريبين من غيبة ولي الأمر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء؟ والجواب على ذلك: ☆ لم يرد في روايةٍ عن معصومٍ أنّ الإمام المهدي عليه السلام يكنّى أبا صالح. نعم، ذكر الميرزا النوري في (الشهاب الثاقب) نقلاً عن كتاب (ذخيرة الألباب) للميرزا محمد النيشابوري: أنّ المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف يكنّى بأبي القاسم وأبي صالح، وهذه الكنية معروفة عند العرب وأهل البوادي، وكثيراً ما يستعملون هذه الكنية في التوسلات والاستغاثات، وقد ذكرها الشعراء والأدباء في أشعارهم ومدائحهم. وذكر بعض المحققين أنّ هذه الكنية لم يكن لها رواج حتّى القرن الحادي عشر للهجرة. ⊙ هذا، وقد وجّه العلماء هذه الكنية للمولى صاحب العصر والزمان عليه السلام - مع عدم ورودها صراحة في الأخبار - بتوجيهات: ¤ الأول: التمسّك بما رواه أحمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن بسنده عن أبي بصير عن الصادق  عليه السلام حيث قال : «إذا ضللتَ في الطريق فناد يا صالح ويا با صالح، أرشدونا إلى الطريق رحمكم الله»، وفي من لا يحضره الفقيه: «إذا ...
قراءة المزيد