هل يُعدُّ سهم السادة من الخمس مخالفاً لروح القرآن الكريم؟
![]() |
الأستاذ علي بن سلمان العجمي |
يُقسّم الخمس وفق القرآن الكريم على ستّة أقسام، ويذهب إجماعُ علماء الشيعة إلى أنّ ثلاثةً منها تتعلّق بالإمام وتسمّى سهم الإمام، و تتعلق الثلاثة الأخرى بالهاشميين وتسمّى سهم السادة.
ويشترطُ في مستحقّ سهم السادة: الإيمان، والفقر، وصحّة الانتساب لبني هاشم.
وقد أشكلَ على البعض فهم الأمر في سهم السادة، معتبرًا إيّاه مُخالفاً لروح القرآن، حيث قال:
"يكون في علمك الآن انظر إليك بينك وبين الله بناء على الروح العامة في القرآن التي تقول بأنه أساسًا أن أكرمكم عند الله أتقاكم بعد ما له معنى أنت تميز قوم على قوم، جماعة على جماعة، صنف على صنف، سلالة على سلالة، آل على آل، بعد سهم السادة على سهم الإمام ما له معنى، أي منطق بائس متخلف يسوي لي سهم سادة الذي لا يتجاوز عددهم عشرين ثلاثين مليون أعطيهم نص أموال الشيعة هذا أي منطق بينك وبين الله؟ نحن نشكل على الملوكيات والاستبدادات والأمراء نقول يولد من بطن أمه وعنده حساب شخصي أين؟ الآن الأمراء والملوك في الدول الكذائية عندما يولد وهو أمير له حصته بالنفط أين تذهب؟ بحساب عنده حصة اصلا يوجد عنده علاقة محتاج ولا محتاج ويكون في علمك الآن في الآون الأخيرة صارت انه السيد إذا كان محتاجاً اقسم بالله العظيم هذه الفتوى اخيرة هذه ما إليه ربط بالاحتياج وأنا سألت بعض أكابرهم قال حتى تكون لنا اليد العليا على الآخرين قلت له أنت لست محتاج لماذا تأخذ قال حتى دائماً نعطي والآخرين يركضون خلفنا". (1)
ولنا حول هذا الكلام ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: هل يخالفُ منح سهم السادة من الخمس روحَ القرآن؟
ولنا حول هذه الدعوى جوابٌ نقضيٌ ، وجوابٌ حلي.
أما الجواب النقضي: فببعض مواقفه العلمية ، والعملية.
أما المواقف العلميّة فنكتفي منها بموقفين، ونمهد لهما بمقدمة، وهي:
إنّ تخصيص موردٍ مالي بفئةٍ معيّنة من الناس دون أخرى لا يختص بالخمس فحسب، بل إنّ الأمر يسري أيضًا إلى الزكاة، دون أن يستلزم ذلك الذهاب إلى كونه مخالفًا لروح العامة في القرآن.
فمثلاً : الحكم المجمع عليه: أنّ الزكاة الواجبة لا تُعطى للهاشمي، دون أن يقول أحدٌ : إن في ذلك امتيازًا لغير الهاشمي على حساب الهاشمي.
ونفسُ الحكم يسري أيضًا إلى زكاة الفطرة؛ إذ تحرم زكاة فطرة غير الهاشمي على الهاشمي، فهل هذا الشرطُ مخالفٌ للروح العامة في القرآن لأنّه ينبني على الإعطاء وفق هويّة عائليّة، ويحرم ذريّة النبي صلّى الله عليه وآله منه؟!
موقفه الأول:
والغريب أنّ المعترض نفسهُ يثبتُ هذا الأمر في كتابه منهاج الصالحين ص 245 عند الحديث عن أوصاف مستحقي الزكاة، فيقول:
والغريب أنّ المعترض نفسهُ يثبتُ هذا الأمر في كتابه منهاج الصالحين ص 245 عند الحديث عن أوصاف مستحقي الزكاة، فيقول:
"الرابع: أن لا يكون هاشميًا إذا كانت الزكاة من غير الهاشمي".
موقفه الثاني:
بالرجوع إلى كلام المعترض نجدُ أنّه يذهبُ إلى هذا الحكم عند حديثه عن زكاة الفطرة، فيقول في منهاج الصالحين ص 251:
بالرجوع إلى كلام المعترض نجدُ أنّه يذهبُ إلى هذا الحكم عند حديثه عن زكاة الفطرة، فيقول في منهاج الصالحين ص 251:
"المسألة 868: تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي".
فإن كان منحُ فقراء السادة سهمًا خاصًا من الخمس مخالفاً لروح القرآن، فإنّه بمقتضى نفس الاستحسان يكون حرمانهم من الزكاة –إن كانت من غير الهاشمي- مُخالفًا للروح العامّة في القرآن، وللَزمَ المعترض أن لا يُدرجه في رسالته الفقهيّة.
وأما المواقف العملية، فنكتفي أيضا منها بموقفين:
الموقف الأول: أنّه يقدم على اسمه لقب (السيّد)، ويكرّر وصف نفسه بلقب (سيّدنا).
فإذا كان يرى أن تمييز الهاشميين بشيءٍ فيه تكريم أمرٌ يكرّس الطبقية، فإنه نفسه قد كرّس الطبقية.
والموقف الآخر: أنّه يلبس العمامة السوداء ، وهي في العرف الشيعي خاصّة أيضا بالهاشميين.
وحريٌّ بمن يحارب الطبقيّة أن لا يكرّس هذه الطبقيّة في ملبسه.
وأمّا الجوابُ الحلّي، فمن وجوه:
الوجهُ الأول: أنّ هذا الحكم هو مقتضى ما ورد في القرآن الكريم في آية تقسيم الخمس حيث ذكرت ستة أصنافٍ من مستحقي الخمس:
يقول تعالى:
يقول تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41]
يقول السيّد الطباطبائي رحمه الله في تفسير الآية بعد استعراض الروايات الواردة في شرح الآية:
"والأخبار عن أئمه أهل البيت عليهم السلام متواترة في اختصاص الخمس بالله ورسوله والامام من أهل بيته ويتامى قرابته ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا يتعداهم إلى غيرهم، وأنه يقسّم ستة أسهم على ما مرّ في الروايات، وأنه لا يختص بغنائم الحرب، بل يعم كل ما كان يسمى غنيمة لغة من أرباح المكاسب والكنوز والغوص والمعادن والملاحة، وفي رواياتهم - كما تقدم - أن ذلك موهبة من الله لأهل البيت بما حرم عليهم الزكوات والصدقات"(2).
وقد أورد الشيخ الحرّ العاملي رحمه الله في الجزء التاسع من كتابه وسائل الشيعة (عشرين حديثًا) تحت عنوان أبواب قسمة الخمس:
باب أنّه يقسم ستة أقسام ، ثلاثة للامام ، وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب بأبيه لا بأمّه وحدها، الذكر والأنثى منهم، وأنه ليس في مال الخمس زكاة، ومنها:
1) ما جاء عن عبدالله بن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما ( عليهما السلام ) في قول الله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾، قال : "خمس الله للإمام ، وخمس الرسول للإمام ، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، واليتامى يتامى آل الرسول ، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم".
2) ما جاء حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح ( عليه السلام ) قال: "الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له وتقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله، وسهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله لأولى الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة ، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم".
قال صاحب الجواهر رحمهُ الله عند حديثه عن سهم السادة:
"وأما الثلاثة الأخرى فهي للأيتام والمساكين وأبناء السبيل كتابا وسنة مستفيضة جدًا بل متواترة وإجماعًا بقسميه عليه، بل وعلى أن المراد بهم أقارب النبي صلىالله عليه وآله وسلم لا مطلقًا، وإن حكي عن ابن الجنيد ذلك مع استغناء ذي القربى، لكن خلافه غير قادح في محصل الإجماع فضلا عن محكيه، خصوصًا بعد استفاضة الأخبار التي مرت وسيمر عليك بعضها في ذلك، وفي أن ما زاد من الخمس عليهم للإمام، وأنه لا يحل الخمس لغير بني هاشم، جعله الله لهم عوض تحريم الزكاة، فمن تحل له الزكاة يحرم عليه الخمس وبالعكس.(3)
فالمنصف المتثبت إذا رأى روايةً تُثبتُ حُكمًا، ووجد ذلك الحكم بفهمه مخالفًا للروح العامة في القرآن، ثم وقف على الأخبار التي تُثبتُ ذلك الحكم نفسه، فرآها أخبارًا متواترة، فإنّه لا محالة يعلم باليقين أنّ فهمه قد جانب الصواب، وأنّه كان محض وهمٍ وخيال، لأنّ الأخبار المتواترة تُفيدُ العلم الاضطراري.
الوجهُ الثاني: ما ورد في تعليل هذا الحكم من علّة هذا التقسيم
وردَ تعليلُ الحكم هذا الحكم في أكثر من نصٍّ روائي، ونكتفي هنا بشاهدين فقط:
الشاهد الأول: ما جاء عن عيسى بن عبدالله العلوي ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : "إنّ الله لا إله إلا هو لما حرم علينا الصدقة أبدلنا بها الخمس، فالصدقةُ علينا حرامٌ ، والخمسُ لنا فريضة ، والكرامة لنا حلال"(4)
الشاهدُ الثاني: ما جاء عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: الخمس من خمسة أشياء .. ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله، وسهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله لأولى الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم : سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكتاب والسنة إلى أن قال: وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس تنزيها من الله لهم لقرابتهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله)، .. فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة".(5)
وبيانُ ذلك: أنّ سهم السادة من الخمس قد جعل لهم تعويضًا لهم من صدقات الناس وتنزيها من الله لهم لقرابتهم برسول الله ( صلى الله عليه وآله)، وكرامة من الله لهم عن الناس، وقد جعل لفقراء الناس ومساكينهم وابن السبيل مورداً آخر، وهو الزكاة، وقد تقدّم كلام صاحب الجواهر رحمه الله: "جعله الله لهم عوض تحريم الزكاة".
الوجه الثالث: أنّ الحكم مقيّدٌ وليس مطلقًا
فقد جاء في منهاج الصالحين للسيد الخوئي رحمه الله:
( مسألة 1259 ) : يقسم الخمس في زماننا -زمان الغيبة- نصفين، نصف لامام العصر الحجة المنتظر -عجل الله تعالى فرجه وجعل أرواحنا فداه-، ونصف لبني هاشم: أيتامهم، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، ويشترط في هذه الاصناف جميعا الإيمان، كما يعتبر الفقر في الأيتام، ويكفي في ابن السبيل الفقر في بلد التسليم، ولو كان غنيا في بلده إذا لم يتمكن من السفر بقرض ونحوه على ما عرفت في الزكاة، والاحوط وجوبا اعتبار أن لا يكون سفره معصية، ولا يعطى أكثر من قدر ما يوصله إلى بلده، والأظهر عدم اعتبار العدالة في جميعهم.
(مسألة 1260): الأحوط -إن لم يكن أقوى- أن لا يعطى الفقير أكثر من مؤنة سنته ويجوز البسط والاقتصار على إعطاء صنف واحد، بل يجوز الاقتصار على إعطاء واحد من صنف.
(مسألة 1261): المراد من بني هاشم من انتسب إليه بالأب، أما إذا كان بالأم فلا يحل له الخمس وتحل له الزكاة، ولا فرق في الهاشمي بين العلوي والعقيلي والعباسي وإن كان الأولى تقديم العلوي بل الفاطمي.(6)
وجاء مثلهُ في كتاب تحرير الوسيلة للسيّد الخميني رحمه الله، باب القول في قسمته (الخمس) ومستحقيه:
مسألة 1 - يقسم الخمس ستة أسهم: سهم لله تعالى، وسهم للنبي صلى الله عليه وآله، وسهم للإمام عليه السلام، وهذه الثلاثة الآن لصاحب الأمر أرواحنا له الفداء وعجل الله تعالى فرجه، وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ممن انتسب بالأب إلى عبد المطلب، فلو انتسب إليه بالأم لم يحل له الخمس، وحلت له الصدقة على الأصح.
مسألة 2 - يعتبر الايمان أو ما في حكمه في جميع مستحقي الخمس، ولا يعتبر العدالة على الأصح، والأحوط عدم الدفع إلى المهتك المتجاهر بالكبائر، بل يقوى عدم الجواز إن كان في الدفع إعانة على الإثم والعدوان وإغراء بالقبيح وفي المنع ردع عنه، والأولى ملاحظة المرجحات في الأفراد.
مسألة 3 - الأقوى اعتبار الفقر في اليتامى أما ابن السبيل أي المسافر في غير معصية فلا يعتبر فيه في بلده، نعم يعتبر الحاجة في بلد التسليم وإن كان غنيا في بلده كما مر في الزكاة.(7)
وجليُّ أنّ الحُكم لا يشمل جميع من انتسب لآل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، بل هو مخصصّ بشرط الإيمان والفقر.
وأمّا ما قيل عن أنّ ذلك قد يخلق طبقيّة فغير صحيح، إذ أنّه متعلقٌ بفقراء السادة دون أغنيائهم، ولا يعطوا أكثر من مؤونة سنتهم.
والغريب أيضاً أن المستشكل نفسه يوردُ هذا التقسيم لمصارف الخمس في كتابه المسائل الفقهيّة:
"المسألة 1915 : وقد يتساءل: هل يجوز للمالك أن يتصرّف في خمسه- سواء كان من سهم الإمام أو سهم السادة - من دون الاستئذان من مرجع تقليده أم لا؟
الجواب: لا يجوز للمالك الاستقلال في التصرّف في هذا الخمس، سواء كان من سهم الإمام أو سهم السادة - كما هو المشهور بين الفقهاء- وصرفه في مصارفه المتقدّمة، بل لابدَّ من الرجوع إلى مرجع تقليده المستوعب للجهات العامّة والخاصّة، والعارف بجهات الصرف، الذي يتيسّر له القيام بها، ولو بالاستعانة بأهل الخبرة، والأمانة، فيكون صرفُ الحقّ المذكور، إما بإيكال أحدهما الأمر للآخر، أو إعمال نظرهما معاً في كيفية الصرف" (8).
فإنّ كان الأمرُ مُكرّسا للطبقية كما ذكر، فلماذا أوردهُ في مسائله الفقهيّة؟، إلّا أن يعتذر بعدم مطالعة مسائلة الفقهيّة قبل إبداء هذا الرأي، أو أن يكون قد أفتى بعكس رأيه الفقهي، وكلا العذرين أقبحُ من أصل التشنيع.
الوجه الرابع: عدم تماميّة مخالفة روح القرآن
وبيان ذلك أنّ ما افترضه من مخالفةٍ للروح العامة في القرآن يتمُّ في حال أن هذا الامتياز ناظرٌ لتفضيل جنس السادة على غيرهم أمام القانون الجزائي الشرعي، والحال أن هذا الامتياز الفقهي لا دلالة فيه على ذلك التفضيل أو تكريس الطبقيّة، فإنَّ الهاشمي إذا صدرت عنه جناية على بدن مسلم أو ماله أو عرضه فإنه يُعاقبُ كما يعاقب غيره.
فالنفس الهاشمية بالنفس غير الهاشمية ، والعين الهاشمية بالعين غير الهاشمية ، ... والسن الهاشمية بالسن غير الهاشمية، قال تعالى:
﴿ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾[المائدة: 45]
كما يحرم مال غير الهاشمي على الهاشمي كما يحرم على غيره، قال تعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29]
وقال أيضاً: ﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 194]
إلى غير ذلك من الأحكام العامّة المشتركة، والتي لا تمييز فيها للهاشميين على غيرهم.
نعم ، أكرمهم الله بكرامةٍ، ولكنها لا تعطيهم حصانة أمام القانون العام، وهي حرمانهم من الزكاة، وجعل الخمس لهم بدلا عنه، ولا يستلزم منح فقرائهم إمتياز خمس السادة، ولا حرمانهم من الزكاة دلالة على أفضليّة، بل المسألةٌ فقهيّة ينظمها الشرع وفق أمورٍ قد تكشف لنا وقد تخفى.
الوقفةُ الثانية: أنّ تخصيص الحاجة للسادة صدر مؤخراً فقط
ذكر المعترضُ في كلامه أنّ قيد (الحاجة) قد أضيف مؤخراً للمسألة، وهذا أمرٌ غير دقيق، وإليك هذه الشواهد من أقوال أعلامنا المتقدمين أعلى الله مقامهم، والتي تبيّنُ زيف هذه الدعوى:
1) قال الشيخُ المفيدُ رحمه الله (336 – 413 هــ) في المقنعة، [35] باب تمييز أهل الخمس ومستحقيه ممن ذكر الله تعالى في القرآن و[35]باب قسمة الغنائم:
"والخمس لله تعالى كما وصف، ولرسوله صلى الله عليه وآله كما حكم، ولقرابة الرسول كما بين، وليتامى آل الرسول كما أنزل، ولمساكينهم ببرهان ما شرح، ولأبناء سبيلهم بدليل ما أخبر. وليس لغيرهم في الخمس حق، لأن الله تعالى نزه نبيه صلى الله عليه وآله عن الصدقة، إذ كانت أوساخ الناس ، ونزه ذريته وأهل بيته عليهم السلام عنها كما نزهه، فجعل لهم الخمس خاصة من سائر الغنائم، عوضا عما نزههم عنه من الصدقات، وأغناهم به عن الحاجة إلى غيرهم في الزكاة....
وإذا غنم المسلمون شيئا من أهل الكفر بالسيف قسّمه الإمام على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم، منها ثلاثة له عليه السلام: سهمان وارثة من الرسول صلى الله عليه وآله، وسهم بحقه المذكور، وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله: فسهم لأيتامهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، فيقسم ذلك بينهم على قدر كفايتهم في السنة ومؤنتهم، فما فضل عنها أخذه الإمام منهم، وما نقص منها تممه لهم من حقه، وإنما كان له أخذ ما فضل لأن عليه إتمام ما نقص".(9)
2) قال الشريف المرتضى علم الهدى رحمه الله (355- 436 هــ) في الإنتصار:
"(مسألة) [114] [ما يجب فيه الخمس وكيفية قسمته] ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة والكفاية في طول السنة على اقتصاد. وجهات قسمته هو أن يقسم هذا الخمس على ستة أسهم ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول (عليهما السلام) وهي سهم الله تعالى وسهم رسوله " عليه السلام " وسهم ذوي القربى، ومنهم من لا يخص الإمام بسهم ذي القربى ويجعله لجميع قرابة الرسول " عليه السلام " من بني هاشم، فأما الثلاثة الأسهم الباقية فهي ليتامى آل محمد عليهم السلام ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا تتعداهم إلى غيرهم ممن استحق هذه الأوصاف"(10).
3) وقال الشيخ الطوسي رحمه الله ( 385- 460 هــ) في الخلاف:
"مسألة 37: عندنا أن الخمس يقسم ستة أقسام: سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم الذي القربى - فهذه الثلاثة أسهم كانت النبي - صلى الله عليه وآله - وبعده لمن يقوم مقامه من الأئمة - وسهم لليتامى، وسهم المساكين، وسهم لأبناء السبيل من آل محمد - صلى الله عليه وآله - لا يشركهم فيه غيرهم". (11)
وجليٌّ مما تقدّم أن تخصيص الأقسام جاء في الأقسام الثلاثة المرتبطة بالسادة في خصوص ذوي الحاجة منهم لا كلهم.
4) وقال القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي رحمه الله ( 400 - 481 هــ ) في المهذب، باب ذكر قسمة الخمس:
"قال الله سبحانه: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول، ولذي القربى واليتامى، والمساكين وابن السبيل﴾ فعلى هذا يقسم الخمس ستة أسهم، ثلاثة منها وهي سهم الله تعالى، وسهم رسوله (صلى الله عليه وآله) وسهم ذي القربى للإمام عليه السلام والثلاثة أسهم الباقية. يفرقها الإمام عليه السلام على يتامى آل محمد صلى الله عليه وآله ومساكينهم وأبناء سبيلهم، لكل صنف منهم سهم. وعلى الإمام عليه السلام تسليم ذلك على قدر كفايتهم، ومؤنتهم للسنة على جهة الإقتصاد. "(12)
5) وقال الفقيه الجليل أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي رحمه الله (المتوفي بعد 566 هـ) في إشارة السبق:
"[ كتاب الخمس ] ومنها الخمس .... وقسمته على ستة أسهم هي: سهم الله وسهم رسوله ومنهم ذي القربى ولا يستحقها بعد الرسول سوى الامام القائم مقامه، وثلاثة ليتامى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ممن جمع مع فقره وإيمانه صحة النسب إلى أمير المؤمنين - عليه السلام -، أو إلى أحد أخويه جعفر وعقيل، أو إلى عمه العباس - رضي الله عنه - يعطى كل فريق منهم مقدار كفايتهم للسنة على الاقتصاد."(13)
6) وقال العلّامة الحلي رحمه الله (648 - 726 هـ) في إرشاد الأذهان:
"ويقسّم الخمس ستة أقسام: ثلاثة للإمام عليه السلام، وثلاثة لليتامى والمساكين [وأبناء] السبيل من الهاشميين المؤمنين، ويجوز تخصيص الواحد بها على كراهية، ويقسم بقدر الكفاية، فالفاضل للإمام والمعوز عليه. ويعتبر في اليتيم الفقر، وفي ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده، ولا يحل نقله مع المستحق فيضمن، ويجوز مع عدمه"(14).
وما هذه الشواهد إلّا غيضٌ من فيض مما سمح به الوقت، وإلّا فالمسألة إجماعيةٌ أكّد عليها صاحب الجواهر رحمه الله، وقد ظهر إشتراط الحاجة في المستحق وأن يُعطى بمقدار مؤونة سنته.
الوقفة الثالثة: دعوى (بعض) أكابرهم
أورد المعترضُ قصّة عنونها بأنّها صدرت من أحد الأكابر الذين لم يُسَمّهم، ولنا حول قصّته بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى: ما تقدّم من أنّ مسألة التقسيم السداسي هي مسألةٌ واردةٌ في القرآن الكريم، و قد أوضحت الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام أن الثلاثة الثانية مختصة ببني هاشم، وقام عليها إجماع علماء الطائفة (أنار الله برهانهم) على مر العصور، وليست وليدة العصر الحديث، وليست من بنات أفكار هذا البعض من الأكابر.
الملاحظة الثانية: أنّ فيها من التعريض ما فيها، وكأنّ المتحدّث أراد أن يصوّر المراجع – وهذا ما يفهم من لحن توصيفه للمتحدث بأنّه من الأكابر وبقرينة أن المتحدّث هو مشرعٌ للحكم - بأنّهم أناسٌ متكالبون على حطام الدنيا، راغبون في التسلّط على رقاب المؤمنين، وهنا نبث شكوانا إلى الله في هذا الإستخفاف بمقام العلماء، قال تعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ [الكهف: 5]
وللعلماء في أنبياء الله أسوةٌ حسنةٌ، فقد اتهم نبي الله موسى عليه السلام- وهو كليم الله- بأنّه يريد الكبرياء، قال تعالى حاكياً عن المتهمين: ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس: 78]
واتهم نوح عليه السلام بأنه يريد يتفضل على الناس ويستعلي عليهم، قال تعالى:
﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المؤمنون: 24]
الملاحظة الثالثة: أنّ من نُقلت القصّة عنه هو شخصٌ مجهولٌ، فكيف يحتجّ بشخصٍ مجهولٍ لا يُعرف اسمه ومكانته في المذهب على أبناء الطائفة، بل كيف يُوصف بأنّه من الأكابر، وليت المعترض أو أيّا من مريديه يضع أيدينا على هذا البعض من الأكابر، ومستمسك الكلام.
الخاتمة
وفي الختام، نرى أنّ مثل هذه الأبحاث لتؤتي أكلها ينبغي أن تُعالج وفق منهجيّة علميّة رصينةٍ، قائمةٍ على الدليل والحجّة والبرهان بدل أن يكون المعيار فيها "الاستحسانات الشخصيّة" و"الخطابات التهيجيّة" ، وأمّا أسلوب إطلاق الدعاوى فسهلٌ إذ لا قيود على الكلام.
____________________________________
[1] بحوث في طهارة الإنسان (84) بتاريخ 18 شعبان 1438 هجري: http://alhaydari.com/ar/2017/05/60644/
[2] تفسير الميزان للسيد الطباطبائي رحمه الله ج 9 ص 104
[3] جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي رحمه الله، ج 16 ص 88
[4] وسائل الشيعة للحر العاملي رحمه الله، ج 9 الباب 29، باب تحريم الزكاة الواجبة على بني هاشم إذا كان الدافع من غيرهم.
[5] وسائل الشيعة للحر العاملي رحمه الله، ج 9 أبواب قسمة الخمس: باب أنّه يقسم ستة أقسام ، ثلاثة للامام ، وثلاثة لليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب بأبيه لا بأمّه وحدها ، الذكر والانثى منهم ، وأنه ليس في مال الخمس زكاة
[6] منهاج الصالحين للسيد الخوئي رحمه الله، ج 1 ص 347 - 348
[7] تحرير الوسيلة للسيد الخميني رحمه الله، ج 1 ص 365
[8] الفتاوى الفقهيّة، الحيدري، ج 2 ص 343 ، ومثله المسألة 912 من منهاج الصالحين ص 267، وكذلك في المسألة 94 ص 96 من كتاب خمس أرباح المكاسب للمؤلف نفسه.
[9] المقنعة، للشيخ المفيد رحمه الله ص 276 - 278
[10] الانتصار للشريف المرتضى رحمه الله ص 225
[11] الخلاف للشيخ الطوسي رحمه الله، ج 4 ص 209
[12] المهذب للقاضي ابن البراج رحمه الله ج 1 ص 180
[13] إشارة السبق لأبي المجد الحلبي رحمه الله، ص 114
[14] إرشاد الأذهان للعلامة الحلي رحمه الله ج 1 ص 293
يستغل الدين من قبلكم من أجل أن تجعلو الناس كلبهائم و ينطبق عليكم بتقسيم المؤمنين و تفضيل ناس على ناس قوله تعالى بسم الله مثل الذين حملو التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا
ردحذف