حول الحقبة الجديدة من الأفلام والمسلسلات، والـnetflix وأشباهه

السيد محمد الموسوي العاملي


قد يغفل كثيرٌ من الناس عن مدى تأثير ما نشاهده من مسلسلات وأفلام على ثقافتنا وهويّتنا، لكن في الواقع التأثير كبير جدًّا، وهو بمثابة تثقيف غير مباشر.

نحن بالتأكيد كمؤمنين، ندرك أنّ حياتنا في هذه الدنيا ليست عبثيّة، وأنّ علينا سلوك خطٍّ معيّن لنيل السعادة في الآخرة، ومن أجل ذلك ينبغي أن تكون هويّتنا إسلاميّة، وهذه الهويّة لها معالمها الخاصّة المأخوذة حصرًا من كتاب الله والعترة الطاهرة، وما يكون في هويّتنا إسلاميًّا، إن لم نحافظ عليه بالطرق المناسبة، فهو قابلٌ للتبدّل والتغيّر، وما لا يكون إسلاميًّا ينبغي جعله كذلك من خلال التعلّم والمجاهدة، وإلّا سيكون محلّه ما هو دخيل.
ومن جهة الأفلام والمسلسلات، وهي ما يهمّنا هنا، فهي ممّا يساهم في تبدّل وزوال الهويّة الإسلاميّة للإنسان المؤمن وحلول غيرها من هويّاتٍ دخيلة محلّها، وذلك التبدّل والزوال يكون من خلال:
١- التكرار والاعتياد على جوٍّ معيّن.
إنّ تكرار أمرٍ ما لفترة طويلة، أو الاعتياد على جوّ معيّن، يصيّر ذلك الأمر وذلك الجوّ مألوفًا وعاديًّا، فحين يعتادُ الإنسان على مشاهد وثقافات معيّنة في المسلسلات والأفلام، قد يستهجن الأمر بدوًا إن كان مخالفًا لثقافته السابقة، لكنّه لاحقًا سيصبح متآلفًا مع الجوّ ومعتادًا عليه.

على سبيل المثال: مشاهدتنا للأجنبيّات صار أمرًا عاديًّا، فصارت الممثلة الفلانيّة والمذيعة الفلانيّة كإحدى محارمنا! مع العِلم أنّ هذا الوضع الذي صار طبيعيًّا هو في الواقع غير طبيعي، يقول الشيخ بهجت في فتوى له: (ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻭﺳﻤﺎﻉ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ ﺇﺷﻜﺎﻝ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺮﻭﻧﺎ ﺑﺎﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﺮﻳﺒﺔ، ﺑﻞ ﺑﻌﺾ ﺻﻮﺭ ﺫﻟﻚ ﻣﻘﻄﻮﻉ ﺑﺘﺤﺮيمها)¹، فأين احتمالنا لوقوع إشكالٍ أو حرام؟ وما هي الصور المقطوع بحرمتها؟ الواقع أنّ الجوّ العام تقريبا فاقد للضابطة، ولا يمانع من مشاهدة الأجنبيّات مهما كنَّ يلبسنَ، بل حين تستر قناة المنار بعض النساء، يسخر من ذلك كثيرون، وما السخرية إلّا بسبب الاعتياد على جوّ معيّن والابتعاد عن الجوّ الإسلاميّ.
٢- التأثّر بالجوّ الحاكم:
إنّ الإنسان عادةً ما يتأثّر بالغالبيّة من الناس، بل حتى أنّه يخاف مخالفتهم، على سبيل المثال: أُجري اختبار في إحدى المراكز التجارية، واتفق المُختبِرون أن يجعلوا صفًّا من بعض الأفراد بحيث كأنّهم ينتظرون دورًا في أمرٍ معيّن، فصار عامّة الناس يقفون خلفهم في الصف دون علمٍ بالخبر، فقط يكفي أن الكلّ واقفٌ ينتظر دوره، فلنقف نحن أيضًا!

وحاكميّة الغرب لوسائل الإعلام والسينما، وبمعنى آخر حاكميّة لون واحد من الفكر، يخدع الناس، فيعتبرون الحقّ مع الجوّ الحاكم والمهيمن، ويخافون مخالفته، مضافًا إلى أنّ من ذلك اللون المهيمن من الفكر، "المشاهير" الذين أعطتهم الشاشات هالة مقدّسة وعجيبة في أنظار الناس. فحاكم الإعلام اليوم هو حاكم لثقافة الكثيرين، ولكن في الواقع هل للهيمنة والغالبيّة دور في الحقّ أصلًا؟
هنا نرى أهميّة ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ)²، وما ورد كثيرًا في كتاب الله وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ممّا يفيد عدم معياريّة الكثرة، والعقل أيضًا يدلّ عليه، إلّا أن نفس الإنسان تنخدع بذلك.


٣- الانبهار بالغرب واعتباره الأفضل في كلّ شيء:
الصورة التي تشكّلت للغرب في أذهان الناس، وخصوصًا أذهان سكّان ما يسمى ببلدان العالم الثالث، كانت سببًا رئيسًا في أخذ ما هبّ ودبّ من ثقافات غربيّة، مع العلم بأنّ منظومتهم الأخلاقيّة والقيميّة تثبت تضعضعها يومًا بعد آخر، ومع العلم بأنّ تقدّمهم التكنولوجي لا يعني أبدًا تقدّمهم في المجالات الأخرى، لكنّ هذا الانبهار لم يَزُل بعد، وما زال كثيرون مخدوعين بهذه المسألة، فإذا ما صدّر الغرب فكرة في السينمات، أُخذت من قبل البعض أخذ المسلَّمات دون أدنى تدبّر.

• وبالنتيجة:
فلننظر إلى هويّة مجتمعنا اليوم، منذ متى كان يُطرَح مفهوم الخيانة حين يُقدم الزوج على زواجٍ ثانٍ مثلًا؟ وهو ما يلزم منه نسبة تشريع القبيح إلى الله تعالى، وهو محال. ومنذ متى كانت هذه الطرق هي المعتمدة في التعارف بين الرجل والمرأة للزواج؟ والتي هي مليئة بالمعاصي من جهة، وتنتج زواجًا فاشلًا بسبب كثرة اعتمادها على الوهم من جهة أخرى. وغير ذلك الكثير من الثقافات التي يتّصف بها اليوم جزءٌ لا يستهان به من المجتمع الإيماني والتي لا تمتّ إلى الإسلام بصلة! وإن دقّقنا النظر علمنا أنّ من أسبابها المهمّة التثقيف على أمثال المسلسلات التركيّة وبعض المسلسلات العربيّة التي حذت حذوها. فهذا نتاج تثقيف دام لسنوات وتربّى عليه جيل كامل.

ولا أريد التفصيل والخوض في ما يخصّ البرامج الأجنبيّة الأخرى وبرامج الأطفال ودورها المهمّ أيضًا في كثير من الثقافات الدخيلة الأخرى.


• والنقطة الأساسيّة:
إنّ المطروح على الشاشات اليوم خطره حتمًا يساوي أضعافًا مضاعفةً من الخطر الموجود سابقًا في المسلسلات التركيّة وشبهها، فما هو مطروح في الشبكات الحديثة المنتجة للأفلام والمسلسلات، والتي صارت على كلّ هاتفٍ وتلفاز، وصار يلهج بذكرها جلّ الشباب، فهو محشوّ بشتّى أنواع الفساد، بالأفكار الإلحاديّة، ونبذ الدين، وخلع الحجاب، والنسويّة، والشذوذ الجنسي، والمشاهد غير الأخلاقيّة، وغير ذلك الكثير الكثير من الأمور الخطيرة.
فما هو المنتظر من الجيل الذي يتربّى على هذه الأجواء؟ وفي الواقع قد بدأت بعض هذه الثقافات الخطيرة تحتلّ فكر العديد من أفراد المجتمع الإيماني، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع ذلك دون التفات، ويصعب على هؤلاء الأفراد التمييز بين الأصيل والدخيل في ثقافتهم.
ومن المشاكل هنا أنّ بعض الذي تثقّفه تلك المسلسلات، يأتي لاحقًا وقد مُحقت هويّته، وهو لم يكن مسبقًا قد بنى منهجيّة منطقيّة في تفكيره، ليُشكل على الدين ويطرح الشبهات التي تغذّى عليها، ويعتبر أنّ ما هو فيه قمّة في الحضارة والتطوّر، في حين أنّه محض تسرّع وانبهار لِما تقدَّمَ ذِكرُه.

فما ينبغي على المؤمنين فعله هو عدم الانجرار خلف تلك الأفلام والمسلسلات مهما بدت مسلّية وجميلة، ومهما ظنّوا أنّهم مصونون معصومون من الانحراف، ومن كان لديه أولاد فلينتبه كثيرًا لما يشاهده أولاده.
فلنشاهد ولنقرأ ما ينفعنا فعلًا، ما أقصر العمر، وما أكثر الأمور النافعة وأبواب العِلم، نسأل الله أن يوفّقنا لذلك ويعصمنا من الانخداع بزيفِ الثقافات الدخيلة.

-------------------‐------------------
1- توضيح المسائل، ص٥٤٥.

2- نهج البلاغة، الخطبة ٢٠١.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟