كذلك خدعوك فقالوا ...!



بعد انتهاء لحظات الهوس بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، قد يعود العقل لمكانه وعليه يحين وقت وضع مغالطة مشتهرة على الميزان:
قبل عدة أعوام جرى حديث مع أحد الأخوة وكان مفاده انزعاجه من الوجه المتجهم للعلماء في مقابل طلاقة وابتسامة القساوسة والكهنة؛ وحديث آخر شبيه به جرى مع أحد الأخوة الذي كان همه أن يجعل الجنة شرعة لكل وارد تربى معهم في فريجهم أو زامله على مقعد دراسة أو شارك معه مكتب العمل؛ وأمثال هذه الأحاديث كثيرًا ما تتكرر مع الأخوة المؤمنين إذا ما طُرق موضوع الحق والباطل وميزان الحكم على الآخرين من غير الملّة والدين؛ بل وقد يحتد النقاش إلى ما لا تحمد عقباه تعصبًا منهم تجاه النصوص الواضحة والمستفيضة الدالة على تفرقة المؤمن عن غيره.

وعذر كل أولئك هو نفسه
. أن المخالف يتعامل معهم بودية، وأنه ما شاهدوا منه يومًا إلا الاحترام والبشاشة وطلاقة الوجه والخدمة، وأن أخلاقه تسع الناس كلها فلا بد لله أن يجازيه عليها. والواقع أن كل ذلك هي آداب تعلمها من بيئته أو صقل نفسه عليها وليست أخلاقًا بالمعنى الحقيقي الدال على الاذعان لحكم العقل في تمييز ما هو حسن عمّا هو قبيح.

هؤلاء الأخوة الأعزاء يجعلون من أنفسهم ميزانًا وصراطًا من عَبَره باتت أبواب الجنان له مفتحة، ونصوص الشريعة الغراء لسواد عينه ساقطة! فهو يقول لك ما دام يتعامل غير المؤمن "معي" باحترام وأدب وذاك المؤمن يتعامل "معي" بخشونة فإن عدل الله - تعالى وجل عن ذلك - مخدوش إذا ما حكمت على غير المؤمن بالنار وعلى المؤمن بالجنة. ياء النسبة هذه تجعل من تعامل الآخرين مع الذات هي الفرقان وليس تعامل هؤلاء مع الله سبحانه.

بعبارة أخرى، فإنهم يبررون ضلال وكفران الآخر ويدافعون عنه بذريعة معاملته الحسنى معهم، ويهملون عمدًا الفرقان الحقيقي والميزان الواقعي وهو تعامل هذا الشخص مع الله سبحانه، هل هو ممتثل لأوامره ونواهيه أم لا، وإن كان عاصيًا لله كافرًا وغير متبع لسبيل الهدى فكيف يُفرض على الله سبحانه وتعالى أن يدخله جنات النعيم ويجعله من الفائزين استجابة لرغبتنا الذاتية بمكافئته لابتسامته لنا؟

هذه هي المغالطة التي يخدعون الناس بها، وهي ليست جديدة، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام كما في الكافي: « لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة» (1).. وأي أمانة أعظم من التي عرضها الله سبحانه وتعالي علي السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً؟ (2)
فتنبّه رعاك الله لذلك،،


------------------
(1) الكافي للكليني رحمه الله، ج 2 ص 104، باب الصدق وأداء الأمانة، ح (2).(2) روى الكليني رحمه الله عن أبي عبد الله عليه‌ السلام في قول الله عز وجل : «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً» قال :"هي ولاية أمير المؤمنين عليه‌ السلام". الكافي للكليني رحمه الله، ج 1 ص 413، باب نكت ونتف في التنزيل في الولاية، ح (2).

وروى الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار
 عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌ السلام عن قول الله عزوجل : « إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا » قال : الأمانة : الولاية ، والانسان : أبو الشرور المنافق.
وعن الحسين بن خالد ، قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهم‌ السلام عن قول الله عزوجل : « إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ـ الآية ـ » فقال : الأمانة : الولاية ، من ادعاها بغير حق كفر.


معاني الأخبار للصدوق رحمه الله، ص 110، باب معنى الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين ح (2) و (3)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»