مفارقة بين الحجّ والمحرّم ..!


في كل عام يضرب المؤمنون أروع صور الوئام والانسجام والتآلف وتقبّل بعضهم البعض أثناء قيامهم بمناسكهم في حجّ بيت الله الحرام، حيث تتعدد مرجعيات تقليدهم وبالتالي تختلف فتاواهم ووظائفهم الشرعية، ومع ذلك لا تجد أحداً منهم يحمل حقداً أو غلّاً على الآخر أو يمتعض منه حين يراه أو يطوي عنه كاشحاً برأسه، أو يرفع صوته عليه، أو يهين مرجع تقليده، أو ما شابه ذلك.
ولكنّ المفارقة الغريبة بعد أيّام معدودة من أيّام الحجّ تلك، حين يدخل شهر المحرم، شهر المأساة على الرسول وآل الرسول، والذي ينبغي فيه للمؤمن أن يعيش مصاب أهل البيت عليهم السلام وأحزانهم، تجد أتباع المرجع الفلاني بدأوا بالنيل ممن يؤيد التطبير أو يقوم به وأنّهم بذلك يشوّهون صورة المذهب ويعودون عليه بالإساءة، وتتعالى أصوات أتباع المرجع الآخر بأنّ أولئك قد وقفوا أمام الشعائر الحسينية، وأنّهم قدّموا وحدة صفّ المسلمين على الحسين وآل الحسين!!
مشادّات من هنا وهناك، ومأساة لا تنتهي، تجعلك تؤمن بمقدار الجهل والفوضى والغوغائية الذي تعيشه أمّتنا.
أيّها الكرام، أيّها الأحباب، فلنعطِ لكلِّ شيءٍ حجمه الذي يلائمه.
إن هذه المسألة فقهية صِرفة، ولكلّ مرجع فيها رأي بناه على دليل، وحالها كباقي المسائل الفقهية التي تكون محلّ خلاف بين الفقهاء، ووظيفة كلٍّ منّا هي الرجوع لمرجعه الذي يقلّده؛ لمعرفة الموقف العملي، ليس أكثر من ذلك. ولنكن أكثر وعياً وإدراكاً ولنذيب هذا الخلاف الفقهي بقبول الآخر وأن نعيش معه المحبّة والمودّة والوئام، مدركين أن لكلٍّ منّا تكليف، ولنستثمر شهر المحرّم ونغتنم منه روحيّاً ومعنويّاً ومعرفيّاً وثقافيّاً، فإنه فرصة ذهبية لا تقدّر بثمن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»