عناصر القوة في العائلة الإيمانية (جاثوم الهوى والفتنة الاجتماعية)
🔹
المقدمة:
🔸تحتل الأسرة موقعا مهما في البحوث و الدراسات ولغة الإحصاء و الأرقام ، وذلك نابع من أهمية دور الفرد وتأثيره في صياغة هوية المجتمع و تحديد النمط الفكري و السلوكي الذي يدور في فلكه. وقد أكد القرآن الكريم على أهمية صلاح المنظومة البشرية واتباعها للتعاليم الإلهية وامتثالها للأوامر الربانية بداية من النفس و مرورا بالأهل والأقربين و عطفا على المجتمع ونهاية بالعالمين، قال تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا قوا أَنفُسَكُم وَأَهليكُم نارًا ﴾ [١].
🔸ومن الطبيعي أن يمر الوضع العائلي ( خصوصا كونه جماعيا ) بمنعطفات و مراحل ظرفية تساهم في تشكيل لوحة الموقعية و التأثير الداخلية و الخارجية تبعا للمقومات المبنية على عناصر القوة ، إلا أن أكثر ما يمكن أن يعصف بهذه العناصر و يذهب ريحها هو الفتنة بمعنى الاختلاف الضبابي الذي يشبه فيه الحق الباطل بكثرة الهرج و المرج تارة و بمعنى الاختبار و الابتلاء و الامتحان تارة أخرى.
🔸لذلك كان من العقلائي و المنطقي أن يتم رسم منهجية مبنية على أسس علمية وآلية واضحة ومنصفة فعلية( لا مجرد انفعالية) تتعامل مع الأحداث و توجه دفة الموقف الجماعي نحو ما من شأنه ضمان حق وكرامة و رقي و نمو العائلة والذي بدوره ينعكس إيجابيا على الفرد في دائرته الضيقة و يتسامى ليصنع مجتمعا رشيدا [٢].
.............................................
🔹عناصر القوة ..... وقفات تأمل:
الوقوف على مقومات النهوض ودعمها وتعزيز المرتكزات التي بنيت عليها لتشييد بنيان أسري عائلي متمكن وقادر مواجهة التحديات الفكرية و الاقتصادية و الاجتماعية ومنها :
🔹١- العلم:
🔸 إن التفقه في الدين و الإلمام بأحكامه و معارفه وسبر أغوار السيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه و آله و الأئمة المعصومين والهداة الميامين من أهل بيته عليهم السلام واتخاذها عبرة و موعظة ومحركا و منهجا يتقرب به إلى الله في موافقة و مواكبة العلم للعمل هو عمدة العلم و أشرفه وأطيبه و أزكاه وبه النجاة في الدارين.
ورد عن النبي محمد صلى الله عليه و آله : ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ، و من تخلف عنها غرق ) [٣].
ورد عن النبي محمد صلى الله عليه و آله : ( إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من دخلها نجا ، و من تخلف عنها غرق ) [٣].
🔸 وهنا تبرز الحاجة إلى لجنة عائلية تعتني بالجانب الروحي العبادي و الفكري العقائدي لتغذي جانبا أساسيا في صناعة الهوية الإسلامية و تخلق جوا إيمانيا يلبي عطش النفس المُعْرِضة عن الذكر اللاهية بالدنيا و مغرياتها من خلال تقوية العلاقة مع القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام و طرح البرامج الفاعلة وإقامة الرحلات للمزارات المقدسة والتوعية الدينية الممنهجة واختيار الخطباء من ذوي القدرة على تقديم الأطروحات العلمية النافعة والتي تلامس تطلعات و احتياجات المجتمع و تلبي متلطبات الساحة والفكر المعاصر والارتباط بالعلماء الأمناء وأهل الفضل.
🔸 وللعلوم النظرية و الطبيعية و الإنسانية التي يتم توظيفها في خدمة الدين و المجتمع والبشرية وبناء الحضارة لتشكل عنصر قوة و عزة و نمو و نهضة فضل و شرف عظيم حيث برز دور الأكاديمي من خلال نقله للتجربة الجامعية و الأساليب العلمية إلى ساحة العمل الخيري و الاجتماعي كالتخطيط و الجدولة و دراسة الجدوى ودرء المخاطر و الإدارة الاحترافية و تطبيق أسس و معايير الاستثمار و التنمية ونشر التوعية الصحية و الأسرية والنفسية وغيره.
🔸 ولعل من علامات العائلة الناجحة هو ما توليه من تعاون و تكاتف واهتمام في نشر العلم و الدعم و التشجيع نحو التحصيل والتفوق العلمي وتكوين لجان متخصصة في الرقي و النهوض بالمستوى العلمي للعائلة وتكريم المتميزين و المتفوقين وتقديم الدورات التدريبية و الدروس الإضافية و معالجة المشاكل وتذليل الصعوبات التي تواجه الطلاب مادية كانت أم نفسية.
قال تعالى: (وَقُل رَبِّ زِدني عِلمًا). [٤]
🔹 ٢- الوعي :
إذا خرجنا من جدلية مفهوم الوعي بالمنظور الفلسفي والسيكولوجي ووقفنا مع تقسيمه إلى عفوي و تأملي و حدسي و معياري [ ٥ ] ، فإن مقصودنا من الوعي هو الإدراك والإحاطة والإلمام والمعرفة بالعوامل و الظروف الخارجية و توظيفها نحو اتخاذ القرار الصحيح اللحظي و المستقبلي.
ونقتصر على ذكر بعض مظاهر الوعي :
🔸الأول: رسم خارطة مستقبلية تعتني بالتركيز على الأولويات و القضايا الكبرى و عدم اتلاف الجهد و الوقت في زوايا هامشية لا تؤثر بشكل فعال على الوضع العلمي والاقتصادي و التكافل الاجتماعي داخل العائلة.
🔸الثاني: إتاحة الفرصة و المجال للمبدعين و الموهوبين والمتخصصين لنشر إبداعهم و إبراز مواهبهم واستثمار طاقاتهم وإشراكهم في العمل العائلي واستشارتهم في القرارات المؤثرة.
🔸الثالث: احترام خصوصيات وخيارات الآخرين المختلفين عنا ما دامت في دائرة الإباحة و الجواز ولم يكن خلفها ضرر معتد به شرعا.
🔹 ٣- التلاحم العائلي :
ورد عن النبي صلى الله عليه و آله : ( يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) [٦].
ومن العترة الهادية العاصمة من الزيغ و الضلال الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام صاحب رسالة الحقوق والتي تشكل وثيقة سماوية إلهية شخصت بعمق متناه موقعية الإنسان وعلاقته بالخلق و الخالق فكان حق الله الأكبر أن يعبد بإخلاص لا يشرك به شيئا
ومما أشير إليه في الرسالة حق الأم و الأب و الأخ والولد والأرحام الأقرب فالأقرب والمعلم و المتعلم والصاحب والجليس والمحسن والمشير و المستشير والناصح و المستنصح والكبير و الصغير والشريك.
ومما أشير إليه في الرسالة حق الأم و الأب و الأخ والولد والأرحام الأقرب فالأقرب والمعلم و المتعلم والصاحب والجليس والمحسن والمشير و المستشير والناصح و المستنصح والكبير و الصغير والشريك.
🔸 إن من أبرز صور التلاحم العائلي وأكثرها تجليا ووضوحا وأعظمها أثرا و أكثرها وجوبا صلة الرحم وتوقير الكبير و العطف على الصغير و المشورة بالرأي الناصح و تفريج الكربات و قضاء الحوائج وحفظ الغيبة و الكرامة و نصرة المظلوم و عود المرضى ومساعدة المحتاجين وتبادل الهدايا والزيارات وتلبية الدعوات و الاجتماع على الطاعة و إصلاح ذات البين.
🔸 وهنا تنبع أهمية وجود لجنة تعتني بتنظيم الفعاليات و البرامج واستغلال المناسبات بما يساهم في انسجام الأنفس و مد جسور التواصل بين مختلف الأعمار وتلطيف الأجواء العامة ونشر ثقافة الفرح والشعور بالألفة والمحبة والاستفادة من التجارب والخبرات.
🔹العمل المؤسساتي ودفة القيادة:
🔸يتضح من خلال ما تقدم أن العمل المؤسساتي وتشكيل اللجان المنظمة والتي تتولى مهام الإدارة للكيان العائلي مطلب عقلائي يساهم في وحدة الصف و تقريب الرؤى والعمل وفق منهجية واضحة ومدروسة تقود إلى نتائج إيجابية ونافعة و مثمرة [٧].
🔸 ولعل أبرز الإشكاليات و المطبات التي تعترض مثل هذا المطلب هو تحديد من يتولى دفة القيادة و من له الحق بالنطق أو التعبير أو اتخاذ المواقف باسم الأسرة. والذي نميل إليه أن المشورة الجادة بين طلبة العلم و النشطاء و الوجهاء و المختصين وأصحاب الرؤى من مختلف مكونات العائلة كفيلة بإنتاج مسودة و دستور عائلي بمشاركة و اطلاع من المهتمين من افراد العائلة لتنظيم العمل المؤسساتي بحيث يتولى إدارة شئون العائلة مجلس مكون ممن يمتلكون الكفاءة والقدرة على تحقيق الأهداف و بلوغ الآمال و التطلعات الأمر الذي يضمن ارتفاع الحرج و المحسوبية ويذيب الحساسية ويجيب على كثير من علامات الاستفهام المطروحة.
🔹 الختام :
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [٨].
هكذا وصف العظيم الجليل في محكم التنزيل نبيه ورسوله و حبيبه محمد صلى الله عليه و آله وهو وصف فوق الإدراك والتصور وذلك نابع من عظم القائل عز وجل إلا أن عبيد الدنيا و مرضى القلوب و أنصار الشيطان اتهموه بالكذب والسحر والجنون والكهنوتية
وقد ورد عنه ص قوله: (ما أوذي نبي مثلما أوذيت ) [٩].
هكذا وصف العظيم الجليل في محكم التنزيل نبيه ورسوله و حبيبه محمد صلى الله عليه و آله وهو وصف فوق الإدراك والتصور وذلك نابع من عظم القائل عز وجل إلا أن عبيد الدنيا و مرضى القلوب و أنصار الشيطان اتهموه بالكذب والسحر والجنون والكهنوتية
وقد ورد عنه ص قوله: (ما أوذي نبي مثلما أوذيت ) [٩].
🔸 الأمر الذي يجعل المؤمن يزهد إذا ما شُتِمَ أو حورب أو أوذي من قبل المتهتكين والمنتفعين ومن لاهم لهم سوى خلق الفوضى و إثارة الجدل ومحاربة العمل الصالح والمعلوم بالبديهة والتجربة أن الناس أصناف متفاوتة و أطياف مختلفة و ألوان متباينة وقد يبتلى المجتمع بالفتن المنطلقة من الصدور المحنوقة و الأنفس المريضة التي تربع عليها جاثوم الهوى القائم على الحقد و الحسد و العصبية الجاهلية في انسلاخ تام عن تعاليم القرآن الكريم و ابتعاد عن وصايا العترة الطاهرة وتغليف الباطل والفساد بشعار التطوير و الإصلاح.
🔸والصواب أن تكون للمؤمنين و أهل الفضل و الرأي وقفة جادة بوجه التعديات و الإساءات و المناوشات و المحاولات المتكررة لجر المجتمع في وحل الفتنة والصدامات و التحريض المقيت بخطوات فعلية ( لا مجرد انفعالية ) والسعي إلى ترتيب الصف الداخلي وتوحيد الكلمة وتعزيز عناصر القوة لضمان السلم الاجتماعي والعيش المشترك المبني على الثقة والتسامح و التعاون والبر و التقوى و الألفة و المحبة تحت راية محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين، هذا وصلى الله على محمد و آل محمد، واللعن الدائم على ظالميهم إلى قيام يوم الدين.
..............................................
المصادر :
[١] سورة التحريم : ٦
[٢] راجع محاضرة بعنوان مجتمعنا و المجتمع الرشيد http://www.almoneer.org/?act=artc&id=1267
[٣] بحار الأنوار ج ٢٣ ص ١٢٠
[٤] سورة طه : ١١٤
[٥] راجع دراسة بعنوان الوعي المعلوماتي ضرورة ملحة في القرن الحادي و العشرين للدكتورة مها محمد
https://portal.arid.my/Publications/bdd4f4b2-c00d-4b.pdf
[٦] بصائر الدرجات باب في قول الرسول ص اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ص ٧٤٧
[٧] راجع الدليل الشامل لإدارة الأنشطة العائلية
www.FPMDSystem.com
[٨] سورة القلم : ٤
[٩] بحار الأنوار ج ٣٩ ص ٥٦
[٢] راجع محاضرة بعنوان مجتمعنا و المجتمع الرشيد http://www.almoneer.org/?act=artc&id=1267
[٣] بحار الأنوار ج ٢٣ ص ١٢٠
[٤] سورة طه : ١١٤
[٥] راجع دراسة بعنوان الوعي المعلوماتي ضرورة ملحة في القرن الحادي و العشرين للدكتورة مها محمد
https://portal.arid.my/Publications/bdd4f4b2-c00d-4b.pdf
[٦] بصائر الدرجات باب في قول الرسول ص اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي ص ٧٤٧
[٧] راجع الدليل الشامل لإدارة الأنشطة العائلية
www.FPMDSystem.com
[٨] سورة القلم : ٤
[٩] بحار الأنوار ج ٣٩ ص ٥٦
تعليقات
إرسال تعليق