عِلْمُ الأُصُوْلِ صَمَّامُ أَمَانٍ



إنَنا في عصرٍ نشهد فيه صراعات فكرية كثيرة واشتباكات علمية تفوق الإحصاء، والكلّ يدّعي أنه على الحق وأن غيره متلبّسٌ بالباطل، وقد يجد الإنسان نفسه تائهاً حائراً بين مدارس كثيرة واتجاهات عديدة، لا يدري أين الصواب وأين الخطأ، أين الحقّ وأين الباطل!!

من هنا يحاول طلّاب الحقيقة البحث عنها بأنفسهم عبر المصادر المشروعة، انطلاقاً من الفطرة والعقل اللّذَين تفضّل بهما الله على خلقه، ووصولاً إلى القرآن الكريم والسنّة المعصومية المطهرة، اللّذين أتم الله بهما النعمة على عباده.

وممّا لا شكّ ولا شبهة فيه أن طالب الحقيقة سيواجه عقباتٍ كثيرة حين يعزم على شقِّ طريق رحلته البحثية، وستعترضه بعض التساؤلات والإشكالات، الّتي يجب عليه أن يوجد لها حلّاً وإجابةً مقنعة؛ حتى يبتني بحثه على المباني الرصينة والقواعد المحكمة.

وممّا يعترض الباحث في مسير بحثه: كيفية التعامل مع الآيات المتشابهة والمحكمة، والعامّة والخاصّة، والمطلقة والمقيَّدة، والمجملة والمبيّنة، والناسخة والمنسوخة، وكذلك الحال بالنسبة للروايات الشريفة، ففيها المتشابه والمحكم والعامّ والخاصّ، والمطلق والمقيّد، والمجمل والمبيّن، وما كان تقيّة وما لم يكن كذلك.

ومنها: كيفية التعامل مع الألفاظ وهيئاتها وموادّها ودلالالتها، كدلالة فعل الأمر ودلالة النهي، ودلالة الإشتقاق، ودلالة منطوق الكلام ومفهومه، وغير ذلك.

ومنها: كيفية التعامل مع الروايات المتعارضة والروايات المتزاحمة، وماهي شروط التعارض، وهل العلاج بالتساقط أو بالتخيير أو بالترجيح، وكيفية الجمع بين المتعارضات، أو الترجيح بينهم وغير ذلك.

ومنها: مدى حجيّة الظواهر، أعني ظواهر اللّغة، وظواهر القرآن الكريم وظواهر السنة المعصومية، وما هي حجية بناء العقلاء وسيرة المتشرّعة، وكيف يمكن البناء على ذلك، وما حجيّة القياس، وهل يرفض الشيعة كل أنواع القياس أو بعضها، وهل يمكن الإعتماد على الشهرة أو على الإجماع، وغير ذلك.

ومنها: مدى حجية العقل، وهل العقل مدرك أم كاشف، وما هو العقل العملي والعقل النظري ومدخليتهما في معرفة الدين الإلهي، وهل تتعارض نتائج العقل مع القرآن الكريم أو النص المعصومي أم لا.

كل ذلك وأكثر قد تكفّل ببيانه علم الأصول، فقد وضع عشرات بل مئات الضوابط والقواعد والأسس والحلول التي تعين الباحث على كشف الحقيقة والتوغّل في الدين بخطىً راسخة وأقدام ثابتة، تؤمّنه من الإنحراف والضلال والتيه والضياع، وإنّ عدم إتقان تلك القواعد والضوابط والتسلّط عليها والتمكّن منها هو الذي يوقع الإنسان فريسةً سهلة بين فكّي الدّجالين والمنحرفين.

من هنا تعرف قيمة علم الأصول وما يختزله من موازين هامّة وضرورية في تشكيل المعرفة الدّينية، والّتي تمكّن الباحث من قبول أو رفض ما يمرّ به من أفكار وأنظار، وستعرف حينئذٍ أنّه يقف حجر عثرةً أمام المبطلين.

لذلك فإذا طرق سمعك تنقيصٌ أو تحجيم أو تهميش لعلم الأصول أو نعت للمعتقدين به أنّهم ظاهريّون وسطحيّون وقشريّون أو أنه يمكن الاستغناء عنه بعلم اللغة العربية! فاعلم أنّه يريد أن يثنيك عن العلم الذي جُعل ميزاناً ومعياراً لإماطة الستار عن الحقيقة، سواء كان قاصداً أم لم يكن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»