معقباتٌ من بين يديه
بسم الله الرحمن الرحيم { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد ـ ١١)
يسعى الإنسان بفطرته دائمًا للبحث عمّا يجهله، ويزداد هذا السعي إذا تعلقت المعرفة بشيء مما وراء المادة.
وقد ساير القرآنُ الكريم الإنسانَ في هذه الفطرة؛ ففتح له العديد من المنافذ التي يمكنه من خلالها الإرتباط بتلك العوالم، واِدراك تلك النشآت في حدود ما ينتفع به الإنسان من دون نقيصة ولا زيادة.
ومن تلك العوالم المهمة【عالم الملائكة】؛ فقد كشف لنا القرآن الكريم وبتبعه سنة النبي وآله (عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم) عن حدود العلاقة التي تربطنا بالملائكة، وبيان الطرق التي من خلالها تقوى علاقتنا بهم كوسائط بين عالم المادة وعالم ما وراء المادة.
ولمّا كانت حقيقة الإنسان مركبة من هاتين الحقيقتين، ـ أعني: المادة، وما وراء المادة ـ احتاج في سيره التكاملي إلى أن يرتبط بالعوالم الأخرى من خلال هاتين الجنبتين فيه.
ففيما يتعلق بجانبه الروحي والمعنوي يرتبط بملائكة حفظ الأعمال { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢)}.
وتأثيرهم فينا وتأثرنا بهم يختزله حديث الصادق (عليه السلام):
【وجعلهم شهودًا على خلقه، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبةً، وعن معصيته أشد انقباضًا، وكم من عبد يهم بمعصية فذكر مكانهما فارعوى وكفّ، فيقول: ربي يراني، وحفظتي عليّ بذلك تشهد، وإن الله برأفته ولطفه أيضا وكّلهم بعباده يذّبون عنهم مردة الشياطين وهوامّ الأرض وآفاتٍ كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله، إلى أن يجيء أمر الله عز وجل】
وفيما يتعلق بجانبنا المادي جعل لنا (معقبات)، أي ملائكة يتعاقبون على حفظنا وابعادنا عن الأذى؛ وقد بيّن لنا ذلك حديث الإمام الباقر (عليه السلام) - في بيان قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله}، قال (عليه السلام): بأمر الله من أن يقع في ركيٍ 『أي: البئر』، أو يقع عليه حائط، أو يصيبه شيءٌ، حتى إذا جاء القدر خلوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير، وهما ملكان يحفظانه بالليل، وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبان.
ثم إن رحمة الله تعالى بنا اقتضت أن يجعل هذه الوظيفة التي يقدمها الملائكة لنا منوطة بأعمالنا واختيارنا، وجعل ذلك سنة من سننه؛ فإن لازمنا شريعته لازمنا حفظ الملائكة، وإن تغيرنا عن ذلك غيّر الله تعالى وظيفتهم؛ وهذا ما بيّنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
والنتيجة المهمة من جميع ما تقدم هي: أن ملازمة الإنسان لجادة الشريعة المقدسة هو الطريق الوحيد للاستفادة من طاقات الملائكة، وهو منوط بعمل المكلف، و ما عدا ذلك من تفسير ألوان الريش، أو قراءة بطاقات الملائكة أو أسمائهم وصفاتهم فكلّه مما لا يقدم أو يؤخر في الارتباط بهم، إن كان لمثل هذه المعارف حظٌ من الحقيقة.
تعليقات
إرسال تعليق