أهمية الحذر من دكاكين المنحرفين
ورد سؤالٌ يقول: اليوم كنت في حوار مع احد المؤمنين وقال لي معلومة ، الصراحة بحثت عنها لكن لم أحصل على جواب المعلومة و هي ان السيد محسن الحكيم عليه الرحمه هو أول من قال بعدم نجاسة الكتابي، واتهم بعدها بالعمالة لبريطانيا، وأيضا السيد محمد باقر الصدر لما أيد فتوى السيد الحكيم هاجمه أقطاب الحوزة، وكذلك قالها المرحوم الشيخ محمد جواد مغنيه. إن أي عالم لم يجرئ على قول هذا الكلام وإنه - أي الشيخ - يعرف ثلاث علماء معرفه شخصية يرون بطهارة الكتابي ولكنهم لم يجرؤ على التصريح بذلك بسبب الخوف من اتهامهم بالعماله انتظر رأيكم الكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقلت جواباً عليه :ما ذكر في السؤال ليس صحيحا جملة وتفصيلا ، وفِي مقام التعليق عليه أذكر أمرين :
الأمر الاول : هو أن الخلاف في نجاسة الكتابي قديم جدا، قبل السيد الحكيم صاحب المستمسك ( رحمه الله)، فقد قال المحقق البحراني في الحدائق : "المفهوم من كلام المحقق في المعتبر الاشارة الى الخلاف في بعض هذه المواضع، حيث قال: الكفار قسمان يهود ونصارى ومن عداهما، أما القسم الثاني فالأصحاب متفقون على نجاستهم، وأما الأول فالشيخ في كتبه قطع بنجاستهم وكذا علم الهدى والاتباع وابنا بابويه، وللمفيد قولان، أحدهما النجاسة ذكره في أكثر كتبه، والآخر الكراهة ذكره في الرسالة الغرية. قال في المعالم: وعزى غير المحقق الى الشيخ في النهاية وابن الجنيد الخلاف في هذا المقام ايضا، أما الشيخ فلأنه قال في النهاية: يكره ان يدعو الانسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه، فان دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء ..." إلى أن قال صاحب الحدائق : "وأما عبارة ابن الجنيد فظاهرها القول بطهارة اهل الكتاب وله في بحث الاسآر عبارة اخرى تقرب من هذه حكيناها هناك. وقد تحرر من هذا أن نجاسة من عدا أهل الكتاب ليست موضع خلاف بين الاصحاب معروف، بل كلام المحقق يصرح بالوفاق كما رأيت، وأما أهل الكتاب فابن الجنيد يرى طهارتهم على كراهية والمفيد في أحد قوليه يوافقه على ذلك في اليهود والنصارى منهم على ما حكاه عنه المحقق، والباقون ممن وصل الينا كلامه على نجاستهم. انتهى ما ذكره في المعالم في المقام وهو جيد".
و قال السيد الخوئي كما في موسوعته في تبيين الخلاف : "المعروف بين أصحابنا من المتقدمين والمتأخرين نجاسة الكافر بجميع أصنافه بل ادعي عليها الاجماع ، وثبوتها في الجملة مما لا ينبغي الاشكال فيه ، وذهب بعض المتقدِّمين إلى طهارة بعض أصنافه وتبعه على ذلك جماعة من متأخِّري المتأخِّرين".
فمن المتقدمين من قال بطهارة بعض الأصناف ، فالقول بأن السيد محسن الحكيم ( رحمه الله ) أول من قال بالطهارة غير صحيح .
الأمر الثاني : ينبغي للمؤمن أن يحذر من حملات تشويه الحوزة ورجالها التي يقوم بها بعض المنحرفين .
فإن الحوزة بعد أن اتخذت موقفا حازما من بعض المنحرفين المخلطين ، حاول هؤلاء وأتباعهم جاهدين إسقاط المؤسسة الدينية - كما يعبرون - بنشر أكاذيب كثرة مختلفة منها الاكاذيب التي تظهر العلماء متعصبين متشددين يرفضون أي خلاف و يحاربون أي مخالف و يقصونه و يخرجونه من المذهب و يحكمون بضلاله وانحرافه ، و قد ذكرت اسماء لتكثير عدد ضحايا التشدد وعدوا منها أكابر كانوا محط تقدير واحترام عند كل من يُعتد به في الحوزات العلمية كالسيد أبي الحسن الإصفهاني و السيد محسن الحكيم والشهيد الصدر ( رحمهم الله ) وغيرهم ، والهدف من هذا الافتراء خداع الناس بعدم وجود ضابطة على أساسها يحكم المراجع بانحراف شخص أو ضلاله ، و بالتالي إسقاط قيمة موقف المراجع من المنحرفين و المخلطين ، وليس الأمر كذلك ، فإن الحوزة مرت بخلافات كثيرة وكبيرة في الفقه وبعض المعارف التي لا تمس أصول الإيمان ولا تكشف عن وجود منهج تشكيكي عند أصحابها ، ولَم يتخذ العلماء فيها مواقف شديدة وحازمة ، فقد كان المعروف بين العلماء عدم اعتصام الكر، والمشهد الفقهي اليوم يختلف و المعروف بين الفقهاء الاعتصام، وبعض الأكابر شكك في الرجعة وهي من واضحات المذهب، و الشيخ الصدوق جوز اسهاء المعصوم بل قال بوقوعه، و تسالم المذهب اليوم على خلافه ومع ذلك تعظيمه محط وفاق فمن يقدح فيه ( رحمه الله) ويحكم بضلاله ، والأمثلة كثيرة جدا .
إن نظام الحوزة العلمية مبني على فتح باب الاجتهاد وتقدير المواهب العلمية و التغاضي عّن الخطأ و التعامل معه تعاملا علميا محضا مع تشديد النقد في القول والقائل بهدف حفظ الحق و إبعاد الناس عن الانحراف عنه، لا قدح القائل في نفسه إذا توقف حفظ الحق على تشديد الخطاب كما بينوا في مستثنيات الغيبة ، ولكن هذا مع سليم المنهج غير المشكك الذي لا يُعلم بأنه يخالف عن بصيرة بعد نقاشه وحواره ونصحه ، ولو كان كل مُخالف يقبل رأيه أو يحترم ، ويقبح اتخاذ الموقف المتشدد تجاهه لما طرد الله ابليس اللعين وقد كان له رأي مخالف في مسألة السجود لآدم حيث قال : (أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ).
ولَم يحترم الله تعالى رأيه وشخصه فقال له : (فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ).
إن بعض المنحرفين المفضوحين يحاولون جاهدين تشويه مواقف الحوزة وإسقاط مكانة علمائها لتبقى دكاكين الضلال مفتوحة و تستمر زبائنها دون رقابة ومحاسبة ، فينبغي على المؤمن الفطن الحذر منهم والتنبه لمخططاتهم.
تعليقات
إرسال تعليق