سخرية من حديث السفرجلة




طُرح سؤال:
بعضُ مَنْ يُحسب على المثقّفين يتناول روايةً عن السفرجل، بأنّه: (يزيل همّ الحزين كما تُزيل اليد عرق الجبين)، وألّف عليها قصّةً هزليةً، فيها الكثير من الاستهزاء بشأنِ الدين، خلاصتها: أنّه كان في أوّل وعيه يقرأ كتباً دينية، وكان يصدّق ما يقرأه كأكثر أغبياء هذا الزمن. فقرأ رواية السفرجل المتقدّمة، وكاد أنْ يموت بغصّته بدل أنْ يزيل الهمّ عن قلبه. كيف يمكن لنا أنْ نتعامل مع هذا الكلام؟ وهل رواية السفرجل هذه صحيحة؟

والجواب:

القسم الأول:
☆ بدايةً، وقبل الحديث عن أخبار السفرجل وما شابهها من أخبار تتحدّث عن خصائص الخضار والفواكه. ينبغي أنْ يحسم كلّ واحدٍ منّا أربعة مطالب قبل أنْ يتعاطى مع هكذا نوعٍ من الأحاديث:
¤ الأول: لا يشكّ أحدٌ مِمّن له أدنى فهم أنّ للفواكه والخضار والأعشاب خصائص لو استفيد منها بطريقةٍ مناسبةٍ لأثمرت تلك الخصائص نفعاً لبني البشر، وعلم الطبّ قديماً وحديثاً قائمٌ على دراسة تلك الخصائص والمنافع. ولا ينحصر تأثير هذه الخصائص والمنافع على جسد الإنسان، بل للروح والانفعالات النفسيّة حظٌ من ذلك. وكمثالٍ على ذلك ثبت في طبّ الأعشاء الحديث أنّ نبتة البابونج كما تُفيد في إدرار العرق وإخراج السموم من البدن، كذلك تعتبر من النباتات المهدّئة للأعصاب والمساعدة على النّوم.
¤ الثاني: أنّه إذا كنّا نؤمن بوجود خالق لهذا الكون، وما فيه من عجائب المخلوقات، وأنّ هذا الخالق قد أرسل إلى الناس رسلاً يبلّغون عن ربّهم تبارك وتعالى، فإذا أخبر هذا الرسول المبعوث - والمفروض أنّه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ} - عن خصائص شيءٍ من مخلوقات ربّه، فلا بدّ لنا من تصديقه، وإلا لكان الخلل إمّا في اعتقادنا بالخالق، أو في اعتقادنا بأنّ المخبر عنه صادق. وعليه فكلّ مَنْ حسم هذين الأمرين (وجود خالق، وصدق المرسل من قِبَلِهِ) لا بدّ أنْ يسلّم تسليما، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
¤ الثالث: أنّ علماء الشريعة الذين يستخرجون الأحكام من الروايات الواصلة إلينا عن طريق النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، يميّزون بين الروايات الواردة لإثبات الأحكام الشرعية والروايات الواردة في الآداب والسنن وخصائص الأشياء وما شابه، ففي الصنف الأوّل باعتبار أنّهم يريدون إثبات حكمٍ أو نفيه، وإسناد ذلك إلى المولى تبارك وتعالى، تجدهم يتشدّدون في تنقيح تلك الأخبار سنداً ودلالة؛ لإثبات صدورها عن المعصومين عليهم السلام، ومعرفة المراد منها؛ لأنّ نسبة حكمٍ إلى المولى من دون دليلٍ يصحّ الاعتماد عليه، هو نوعٌ من التشريع والافتراء، قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ}. وفي الصنف الثاني - باعتبار أنّهم لا يريدون أنْ يُسندوا حكماً إلى الشارع - لا يتشدّدون في البحث عن جهة الصدور والدلالة في الأحاديث، وإنّما يكتفون بالإخبار عن وجود روايةٍ تتكلّم عن خصائص هذا الفاكهة وتلك الخضار مثلاً؛ لعدم مساس هذا الأمر بعمل المكلّفين المستوجب للثواب والعقاب والجنّة والنار.
¤ الرابع: إنّ ترتّب النفع على الأعشاب والخضار كترتّب النفع على الأدوية والمستحضرات الطبية الكيمياوية، لا يكون بشكلٍ مطلقٍ، بل له شرائطه وظروفه. فإذا انتفت تلك الشرائط والظروف لا يحصل المستفيد على النفع المطلوب، وعدم حصوله عليه حينئذٍ لا يؤدّي إلى انتفاء تلك الخصائص والمنافع.

القسم الثاني:
☆ إذا اتّضحت هذه المطالب فلندخل فيما كتبه ذلك المثقّف استهزاء بالرواية التي قرأها عن السفرجل، وكاد أنْ يموت بغصّتها؛ لنسأله السؤال التالي: لو ذهب هو نفسه إلى الطبيب عندما يصاب بمرضٍ، ووصف له الطبيب الخبير دواءاً معيّناً، يتناوله تحت شروطٍ معيّنة، فرجع إلى بيته، ولشدّة ألمه تناول ذلك الدواء بطريقة غير مناسبة، فدخلت حبّة الدواء إلى القصبة الهوائية، فكاد أن يموت منقطع النفس، لولا أنْ أنجده شخصٌ بضربةٍ على ظهره أرجعت له نفسه المنقطع. لو أنّه في اليوم الثاني بدل أنْ يشكر المولى على نجاته، كتب في صفحته على الفيس بوك، قصّةً هزليةً، تحمل في طيّاتها استهزاءاً بالطبّ وأهله، فهل يكون كلامه مقبولاً عند العقلاء مهما كانت قصّته الهزلية جذابةً ومضحكةً؟ أم أنّ العقلاء سوف يضحكون عليه، ويصفونه بالغباء؟ وهذا ما فعله هذا المثقّف بوصفة السفرجل، فإنّه مع قطع النظر عن صِحّة تلك الرواية، لا يكون عدم زوال الهمّ والحزن عن قلبه، ومقاربته للموت بغصّته ناشئاً من كذِبِ الرواية، بل بإقدامه على أكل السفرجل بنهمٍ شديدٍ لا يتناسب مع طبيعة السفرجل الليفيّة. فيصحّ أنْ نقول في حقّه أنّ غباءه لم يكن في مطالعة الكتب الدينية، بل في تطبيقه لِما قرأه بطريقةٍ حمقاء.

⊙ خصائص السفرجل في الروايات: اعتنت الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السلام بفاكهة السفرجل، وذكرت له مجموعة من الفوائد، ألخّصها على الشكل التالي:
- يقوّي القلب ويشجّع الجبان: كما في صحيحة حمزة بن بزيع، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجعفر: "يا جعفر كُلِ السفرجل فإنّه يقوّي القلب ويشجّع الجبان".
- يحسّن الولد إذا أكله صاحب النطفة على الريق: خبر معلّى بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: "مَنْ أكل سفرجلة على الريق طاب ماؤه وحسن ولده".
- يذهب بهمّ الحزن: سفيان بن عيينة قال: سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام، يقول: "السفرجل يُذْهِبُ بِهَمّ الحزين كما تذهب اليد بعرق الجبين". وهذه الرواية لم تثبت، وقد جاء هذا المضمون في أحاديث السنة أيضاً. وفي رواية أخرى عن الإمام أبي الحسن عليه السلام قال: "أُهْدِي للنبي صلى الله عليه وآله سفرجل فضرب بيده إلى! سفرجلة فقطعها وكان يحبها حباً شديداً فأكلها وأطعم من كان بحضرته، ثم قال: عليكم بالسفرجل فإنّه يجلو القلب ويذهب بطخّاء (الغم والكرب) الصدر.
- تلتئم به جروح المعدة (القرحة): ففي الخبر (السفرجل يدبغ المعدة ويشد الفؤاد). وهذا ثابتٌ في الطبّ الحديث؛ لوجود نسبة عالية من الألياف في السفرجل.
- وغير ذلك من الأخبار التي تدلّ على أنّه يزيد من الذكاء، ويحصّل الحكمة وصفاء الذهن...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟