"ماعُبِدَ الله بأَفْضَلَ من المشي"؟
طُرح سؤال:
جاء في كتاب التهذيب: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، وفضالة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "مَا عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ أَشَدَّ مِنَ المَشْيِ وَلَا أَفْضَلَ". ما معنى هذه الرواية؟
والجواب:
☆ هذه الرواية وردت في الكتب الحديثية في الأبواب التي تتكلّم عن استحباب اختيار المشي في الحجّ، وترجيحه على الركوب، وهي صحيحة السند. ومن الواضحات عند الفقهاء أنّ هذه الصحيحة لا ترغّب في المشي بما هو مشي، وأنْ ليس المراد منها أنّ (رياضة المشي) بما هي أفضل ما يُعبد به الله تبارك وتعالى. وإنّما المراد منها أنّ العبادة التي تحتاج إلى مسيرٍ كالحجّ، يكون أداؤها عن طريق المشي أشدّ وأفضل.
⊙ والوجه في تفضيل المشي على الركوب إنّما هو لصيرورة العبادة مع المشي من أحمز الأعمال، وقد اشتهر الخبر القائل: (أفْضَلُ الأعْمَالِ أحْمَزُها)، أي: أكثرها مشقة، وفيما إذا كان في المشي تواضعاً مع الفقراء الذين لا يجدون مركباً. إلا أنّ المعروف بين الأصحاب تفضيل العبادة مع المشي عليها مع الركوب إذا لم يُزاحَم فضلُ المشي بعنوان راجح عند الشارع، وعلى هذا الأساس لم يرجّحوا الحجّ مشياً في الموارد التالية:
¤ فيما لو أوجب المشي الضعف عن العبادة، فإنّ الحجّ راكباً يكون أفضل، ويدلّ على ذلك ما رواه الصدوق في العلل بإسناده عن سيف التمار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "إنّه بلغنا، وكنّا تلك السنة مشاة، عنك أنّك تقول في الركوب؟فقال: إنّ الناس يحجون مشاة ويركبون، فقلت: ليس عن هذا أسألك، فقال: عن أيّ شيء تسألني؟ فقلت: أيّ شيءٍ أحبّ إليك، نمشي أو نركب؟ فقال: تركبون أحبّ إليّ، فإنّ ذلك أقوى على الدعاء والعبادة".
¤ أنْ يكون المشي لأجل توفير المال، أو التظاهر بالخشوع، فإنّه حينئذ لا فضل فيه، ويؤيّد ذلك ما جاء في الكافي بإسناده إلى عبد الله بن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "إنّا نريد الخروج إلى مكة؟ فقال: لا تمشوا واركبوا، فقلت: أصلحك الله، إنّه بلغنا أنّ الحسن بن علي حجّ عشرين حجة ماشيا؟ فقال: إنّ الحسن بن علي عليه السلام كان يمشي وتساق معه محامله ورحاله".
¤ أنْ يكون الركوب للاستعجال قبل تحقّق الازدحام، والتفرّغ لعبادة الله في مكة، فإنّه حينئذٍ يظهر من بعض الروايات تفضيله على المشي، ففي الخبر عن هشام بن سالم، أنّه قال لأبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث ـ: "أيّما أفضل، نركب إلى مكة فنعجّل فنقيم بها إلى أن يقدم الماشي، أو نمشي؟ فقال: الركوب أفضل".
⊙ ثمّ إنّ الرواية الصحيحة التي يسأل عنها السائل وإنْ وردت في المجاميع الحديثية في كتاب الحجّ، إلا أنّها تشمل بإطلاقها كلّ عبادةٍ فيها مسير، فيصحّ أنْ يقال: إنّ الذهاب إلى المسجد للصلاة مشياً أفضل من الركوب، وزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وغيره من المعصومين عليهم السلام مشياً أفضل من الركوب، إلا إذا تزاحم مع عنوان أرجح بنظر الشارع المقدّس.
تعليقات
إرسال تعليق