"زر الحسين غير مستكبر" ما معنى ذلك ؟



طُرح سؤال:
جاء في حديث رفاعة عن الإمام الصادق عليه السلام، أخبرني أبي، قال: (من خرج إلى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه غير مستكبر صحبه ألف ملك عن يمينه وألف ملك عن شماله وكتب له ألف حجة وألف عمرة مع نبيٍّ أو وصيّ نبيّ). السؤال: ما معنى (غير مستكبر)؟ ولماذا كان شرطاً في الزيارة؟
والجواب على ذلك في قسمين:

القسم الأول:
☆ قد وردت عدّة روايات تدلّ على هذا المعنى، وهي بأجمعها تدلّ على أنّ ترتّب الثواب الموعود به على زيارة المولى أبي عبد الله الحسين مشروطٌ بشروطٍ:

⊙ الشرط الأوّل: المعرفة بحقّه، كما في خبر رفاعة المشار إليه وغيره. وهذا من أهمّ الشروط وأعظمها، وهذه المعرفة من المفاهيم المشكّكة، فمعرفة الأنبياء والأوصياء بحقّه عليه السلام أعلى وأرفع من معرفة الأولياء، ومعرفة الأولياء أعلى من معرفة العلماء، ومعرفة هؤلاء أعلى من معرفة العوامّ والأشخاص العاديين، وهذا التفاوت أيضاً حاصلٌ في كلّ طبقةٍ من الطبقات، فربّ عالمٍ أكثر معرفة من عالم آخر. فمعرفة الهويّة الشخصيّة وأنّه ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله معرفةٌ لا ترتقي إلى معرفته بأنّه إمام مفترض الطاعة، ومعرفته كذلك لا ترتقي إلى معرفته بمضمون ما ورد عن الإمام الهادي عليه السلام: "مَنْ أَرَادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ، مَوَالِيَّ لاَ أُحْصِي ثَنَائَكُمْ وَلاَ أَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ، وَأَنْتُمْ نُورُ الأَخْيَارِ وَهُدَاةُ الأَبْرَارِ وَحُجَجُ الْجَبَّارِ، بِكُمْ فَتَحَ اللهُ، وَبِكُمْ يَخْتِمُ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ ٱلسَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَىٰ الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ ٱلضُّرَّ، وَعِنْدَكُمْ مَا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ، وَهَبَطَتْ بِهِ مَلاَئِكَتُهُ وَإِلَىٰ جَدِّكُمْ". وكانت المعرفة بحقّه عليه السلام شرطاً في ترتّب الثواب والدرجات الرفيعة باعتبار أنّ الزائر غير العارف بحقّ المزور لا يوفّي الزيارة حقّها. ولنضرب لتثبيت هذا المعنى مثالاً بسيطاً: لو أنّ شخصاً مهمّاً كان له علينا حقٌّ، وأردنا أنْ نذهب لزيارته، ونحمل له هديّة؛ بغرض إكرامه وشكره على إنعامه. فلا شكّ أنّ حمل الهدية المناسبة لحال المزور يكون دخيلاً في شكره وإنعامه؛ ولا تكون الهدية مناسبة إلا إذا عرفناه بجنسه، هل هو ذكر أم أنثى؟ وعلى كل تقدير هل هو في مقتبل العمر أم في آخره؟ وبعد معرفة الجنس لا بدّ من التعرّف على مقامه، وخصاله، والأمور التي يحبّها ويرغب بها، ويكرهها ويبتعد عنها، وما شابه ذلك. ولولا ذلك لوقعنا في التوهين بدل الإكرام، وكفران النعمة عوضاً عن شكرها.

⊙ الشرط الثاني: الإخلاص لله في الزيارة. ودلّ على ذلك:
- هَارُون بْن خَارِجَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاك مَا لِمَنْ أَتَی قَبْرَ الْحُسَیْنِ زَائِراً لَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ یُرِیدُ بِهِ وَجْهَ الله تَعَالَی وَالدَّارَ الآْخِرَةَ؟ فَقَالَ لَهُ یَا هَارُونُ مَنْ أَتَی قَبْرَ الْحُسَیْنِ عليه السلم زَائِراً لَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ یُرِیدُ بِهِ وَجْهَ الله وَالدَّارَ الآْخِرَةَ غَفَرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
- صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَیْنِ عليه السلام وَهُوَ یُرِیدُ الله عَزَّ وَجَلَّ شَیَّعَهُ جَبْرَئِیلُ وَمِیکَائِیلُ وَإِسْرَافِیلُ حَتَّی یُرَدَّ إِلَی مَنْزِلِهِ.
- وفي بعضها: مَنْ زَارَ الْحُسَیْنَ مُحْتَسِباً ... وَلَا رِیَاءً وَلَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ کَمَا یُمَحَّصُ الثَّوْبُ بِالْمَاءِ فَلَا یَبْقَی عَلَیْهِ دَنَسٌ وَیُکْتَبُ لَهُ بِکُلِّ خُطْوَةٍ حِجَّةٌ وَکُلِّ مَا رَفَعَ قَدَماً عُمْرَةٌ.
والاحتياج إلى هذا الشرط واضحٌ بعد كون الزيارة من العبادات التي لا تُقبل لولا الإخلاص.

القسم الثاني:
☆ الشرط الثالث: أنْ يكون خاضعاً مطيعاً مذعناً في زيارته لأمر مولاه، وقد دلّت الروايات على هذا الشرط بنفي ما يقابله؛ وذلك بألسنة مختلفة:
- ففي بعضها: (غَیْرَ مُسْتَنْکِفٍ وَلَا مُسْتَکْبِرٍ)، فالاستنكاف والاستكبار: الامتناع والإباء، في قبال الخضوع والطواعية، قال تعالى: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِله وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}.
- وفي بعضها التعبير: بإرادة وجه الله؛ فإنّ المريد لوجهه لا يكون إلا مطيعاً وخاضعاً.
- وفي بعضها التعبير: لَا أَشَراً وَ لَا بَطَراً.
وإنّما جُعِل هذا من شروط ترتّب الثواب على زيارة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام؛ لما عرفت من أنّ زيارته تُعَدّ طاعةً لله عزّ وجلّ وعبادةً له، ولا تجتمع العبادة والطاعة مع الاستنكاف والاستكبار، وإنْ أقدم المستنكف والمستكبر على الزيارة، فسوف تكون صورة عبادة، لا عبادة حقيقية.

⊙ الشرط الرابع: أنْ يُقْدِمَ الزائر على زيارته محتسباً، أي: صابراً مُدَّخِراً ثوابه عند الله، لا يرجو ثواب الدنيا. جاء في الخبر عَنْ أَبِی عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: "مَنْ زَارَ الْحُسَیْنَ مُحْتَسِباً لَا أَشَراً وَ لَا بَطَراً وَلَا رِیَاءً وَلَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ کَمَا یُمَحَّصُ الثَّوْبُ بِالْمَاءِ فَلَا یَبْقَی عَلَیْهِ دَنَسٌ وَیُکْتَبُ لَهُ بِکُلِّ خُطْوَةٍ حِجَّةٌ وَکُلِّ مَا رَفَعَ قَدَماً عُمْرَةٌ".
جعلنا الله وإيّاكم من زواره في الدنيا، ومن شفعائه في الآخرة...


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟