أزمة الخطاب المعاصر مع اللا ديني



‏اللاديني غالبًا يلعب على وتر سخافة الطرح الإسلامي المعاصر، حيث يتم عرض الدين على أنه حلم وردي جميل: قليل من أشعار صوفية مع خليط من القصص العاطفية ونكهة من موسيقى ورقص لجلال الدين الرومي وعناوين عامة فضفاضة مستسقاة من شرعة حقوق الإنسان "الوضعية".

بالتالي، فإنّ اللاديني يستغل هذا الطرح ليقدم نقدًا بأن هذا الإسلام لا يتناسب مع ما هو مذكور بالقرآن ثم يبدأ باللعب على وتر خطابيات وشعارات سخيفة عن حقوق الإنسان والعدالة والمساواة الجندريّة التي تقدم بديلاً أخلاقيًا مقبولاً وفق الذوق المعاصر المبني على النسبية المعرفية والاستحسان النفسي في مقابل الدين القائم على الثوابت والحقائق. ‏الدين أتى ليتعامل مع الإنسان.

والإنسان ليس خيرًا مطلقًا ولا شرًا مطلقًا إنما بين وبين. فيهذب الجانب الشرير بالعقوبة، وينمي الجانب الخيّر بالثواب والمغفرة والرحمة. الدين أتى ليقول لنا بالعاميّة: "صيروا خوش أوادم" بشرط الآدمية الحقيقي لتستحقوا الجزاء الأوفى، ولم يأت ليقول لنا "حبوا بعض" بخطاب عاطفي ساذج. ليس هناك مجتمع بشري واحد ، واحد فقط، بدون قانون وعقوبات وجزاءات ولو بالحدّ البدائي الأدنى. إن كان المجتمع البدائي لا يستغني عن قانون ينظم العلاقات داخله، فما بالكم بدين مطلوب منه أن ينظم عمل مجتمع ويهيؤه لحياة خالدة باقية! .. إن كان ‏صحن العيش [طبق الرُّز] ينقى وترمى الحبة الفاسدة كي لا تؤكل، هذا ونحن نتكلم عن طعام ومعدة، فما بالك ببشر مع كل نوازعهم الشريرة، فهل يعقل أن تكون الجنة الخالدة شرعة لكل وارد دون أن يكون مهيئًا لها؟ ودون أن تكون له تهيئة بمسيرة صارمة ما بين عقاب رادع وثواب وفير؟ على الخطاب الإسلامي المعاصر أن يستعيد رشده، وينطلق من أسسه الوحيانية، وبنيانه العقلي الصلب، ولا يخجل من معارضته لما هو فاسد عقلاً وشرعًا بدلاً من محاولة مزج الدين بقوانين وضعية انتهى بها الحال لأن تشرعن الربا وتقنن المثليّة وترى في الاباحية حرية وتجارة. وإلا فإن اللا ديني لن يعوزه المدخل لينتقد الخطاب الديني ومن خلاله ينتقد الدين، ليصبح هو في حالة فعلٍ دائم ويبقى المسلم في خانة رد الفعل لخجله من الدفاع عن اعتقاده الوحياني وانهزاميته أمام الموازين الفاسدة التي يُروّج لها على أنها عقلائية وهي ليست كذلك. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟