قوله (ع) للحر: (ثكلتك أمك)


سأل أحد المؤمنين: ما معنى قول الحسين عليه السلام للحر: (ثكلتك أمك)؟ ألا يتنافى ذلك مع مقام الإمامة؟

والجواب:

☆ بداية نُلفتُ النظر إلى أنّ مثل هذا التعبير رواه علماء السنّة في كتبهم الحديثية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أيضاً، ففي سنن الترمذي وصحّحه: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ تَعْبُدُ الله وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ . . . ثُمَّ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ قُلْتُ بَلَى يَارسول الله فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).

⊙ أمّا مقولة الإمام الحسين عليه السلام للحرّ الرياحي، فجاءت - كما ذكر الطبري في تاريخه - في سياق محادثة جرت بينهما، ومِمّا جاء فيها: (فقال الحر : فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أُمِرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد! فقال له الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظروا حتى ركبت نساؤهم، فقال لأصحابه انصرفوا بنا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين للحر: ثكلتك أمك ما تريد؟).

⊙ وهذه الجملة بحسب مفرداتها اللغوية معناها: الدعاء على الشخص بأنْ تفقده أمه، وليست شتيمة ومسبّة. ولكنّ العرب لا يستعملوها بحسب المعنى المتقدّم، بل ترد عندهم مَوْرِدَ الزجر، أو التعجب من الغفلة عن أمر ما.

⊙ وعلى كلّ تقدير، فالكلمة ليست مستهجنة في عرف العرب آنذاك، سواء حملناها على معناها اللغوي من الدعاء عليه بالموت تنبيهاً له على أمرٍ شنيع اقترفه؛ ليكون المعنى أنّ موتك خيرٌ لك من سوء فعلك، أم حملناها على الزجر في مورد الغفلة عن أمر مهم. فلا تعدّ سباً وشتماً وتوهيناً؛ ولذا نجد استعمالها مع الأقارب والأحباء، فهذا أمير المؤمنين يطلقها مع أخيه عقيل، فيقول: (فَأَحْمَیْتُ لَهُ حَدِیدَهً ثُمَّ أَدْنَیْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِیَعْتَبِرَ بِهَا فَضَجَّ ضَجِیجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وَکَادَ أَنْ یَحْتَرِقَ مِنْ مِیسَمِهَا فَقُلْتُ لَهُ ثَکِلَتْك اَلثَّوَاکِلُ یَا عَقِیلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِیدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ). بل نرى أنّ البعض يستعملها في حقّ نفسه: نقل ابن قتيبة في غريب الحديث أنّ عمر بن الخطاب سار مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليلاً فسأله عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه! فقال عمر: ثكلتك أمّك يا عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وآله مراراً لا يجيبك - أي: ألححت عليه -). ومن كل ذلك نفهم أنّ في ذلك الزمان لا حزازة في استعمال هذا التعبير، وبالتالي لا منافاة له مع مقام الإمامة والعصمة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟