فائدة تراثيّة: دعاء التوسّل


تتزايد الإثارات حول الدّعاء المشهور الموسوم بـ(دعاء التوسُّل): تارةً بأنّه شرك، وأخرى بعدم وروده عن الأئمّة (عليهم السّلام)، بكونه من إنشاءات النصير الطوسيّ (قدّس سره).

أقول: أمّا الأولى فهي في غاية السّخافة والبطلان؛ إذ مشروعيّة التوسّل ثابتة بالضّرورة، قرآناً وسنةً، وعليها سيرة المسلمين منذ صدر الإسلام حتّى الآن، إلّا شرذمة من الحشويّين المتمسِّكين بالشّبهات الإبليسيّة، وبعد ثبوتها بالضّرورة لا حاجة لتجشّم عناء الردّ عليها.

وأمّا الثانية؛ فغاية ما يمكن أن يُقال في إثباتها: أنّ بعض العلماء -كالسيّد ابن طاوس في [مهج الدّعوات: 425]- أورد دعاءً منسوباً للنصير الطوسيّ يشابه هذا الدّعاء المعروف.

ولكن.. من الملاحظ: أنّ هذا الدّعاء يختلف عنه في كثيرٍ من مقاطعه[1]، ولعلّ الطوسيّ أنشأه وركّبه من هذا الدّعاء المتداول؛ لأنّه:

1: قال العلّامة المجلسيّ في [بحار الأنوار 99: 247]: (وجدتُ في نسخةٍ قديمةٍ من مؤلّفات بعض أصحابنا رضي الله عنهم ما هذا لفظه: هذا الدّعاء رواه محمّد بن بابويه رحمه الله عن الأئمّة عليهم السّلام، وقال: ما دعوت في أمر إلّا رأيتُ سرعة الإجابة، وهو:.. وساق الدّعاء).

وقال في [تحفة الزّائر ـ بالفارسيّة ـ: 643]: (نقل في بعض الكتب المعتبرة: أنّ محمّد بن بابويه.. وذكر الدّعاء)، مع أنّه التزم فيه إيراد الزّيارات والأدعية المعتبرة لديه، كما يظهر من تقدمة كتابه [التحفة: 4].

فهذا الدُّعاء منقول عن الشيخ الصّدوق عن الأئمّة (عليهم السّلام)، ومن المعلوم أنّ الصّدوق متقدّم على النصير الطوسيّ.

2: وقال المجلسيّ أيضاً في [البحار 99: 249] ـ بعد إيراد الدعاء ـ: (الكتاب العتيق الغرويّ: روى مثله، إلّا أنّه روي في الكلِّ بصيغة المتكلّم وحده، وزاد في آخره: يا سادتي ومواليّ..).

وأورد الشيخ الكفعميّ في [البلد الأمين: 323] دعاء الفرج، وهو يحتوي في مطاويه على هذا التوسّل.

ولذا ذيّل المحدّث عبّاس القميّ في [المفاتيح: 197] الدّعاء بقوله: (وأظنّ أن التوسّل بالأئمّة الاثني عشر (عليهم السّلام) المنسوب إلى الخواجة نصير الدّين، هو تركيبٌ من هذا التوسّل).

والحاصل: إنّ دعاء التوسل المشهور مأثور في الكتب المعتبرة عن الأئمّة (عليهم السّلام)، وليس من مخترعات النصير الطوسيّ.

_______________
[1] لا بأس بإيراد مقطع واحد من الدّعاء للمقابلة بين المأثور والمخترع:
ـ المأثور: (اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك نبي الرّحمة، محمد صلى الله عليه وآله، يا أبا القاسم، يا رسول الله، يا إمام الرّحمة، يا سيّدنا ومولانا، إنّا توجّهنا واستشفعنا، وتوسّلنا بك إلى الله، وقدّمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله) [بحار الأنوار 99: 247].
ـ المخترع: (اللهم صلِّ وسلّم وزِدْ وبارك على النبيّ الأميّ، العربيّ الهاشميّ القرشيّ، المكيّ المدنيّ الأبطحيّ التهاميّ، السيد البهي، السراج المضيء، الكوكب الدري، صاحب الوقار والسكينة، المدفون بالمدينة، العبد المؤيّد والرّسول المسدّد، المصطفى الأمجد المحمود الأحمد، حبيب إله العالمين وسيد المرسلين، وخاتم النبيّين وشفيع المذنبين، ورحمة للعالمين، أبي القاسم محمّد صلى الله عليه وآله، الصّلاة والسّلام عليك يا أبا القاسم يا رسول الله، يا إمام الرّحمة، يا شفيع الأمة، يا حجّة الله على خلقه، ياسيّدنا ومولانا، إنّا توجّهنا واستشفعنا وتوسّلنا بك إلى الله، وقدّمناك بين يدي حاجاتنا في الدّنيا والآخرة، يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله) [مهج الدعوات: 425].

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»