فلسفة الدين في الابتلاء


لو كان الدين مجرد مخزون من المعلومات وعدد من العبادات الجسدية التي تحرك البدن، لكان أمره سهلاً. ولكن بالنظر إلى فلسفة الدين وابتلاء الإنسان بتنفيذ تعاليم مُشَرِّعِهِ، يُعلَمُ أنّ جل التعاليم تسيرُ في مسار الامتحان وقهر النفس والرغبات، سواءً الرغبة النابعة من منطلق شخصي: « وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ »(1) أو من منطلق اجتماعي: « وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ »(2).

وفي سياق مواجهة هذين المنطلقين يكون جهاد النفس: « أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ »(3) - « أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ »(4)، ومكمن النجاح في هذا الابتلاء أن يواجهَ الإنسان تلك الدوافع والضغوطات التي تدفعه للسير بعكس اتجاه الشريعة الإلهيّة، وأن لا ينقاد لمذاق مجتمعه.

قبل عدة قرون في مكّة المكرمة، كان تحويل القبلة إلى مكة أمراً إلهياً، وكان المذاق المجتمعي لا يستسيغ هذه القضية فبلغت بهم إلى حد الارتداد عن الدين: « وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ »(5)، كانت - آنذاك - مرحلة التعاكس بين الاتجاه الإلهي والاتجاه المجتمعي، كما هو المشهود اليوم من تعاكس بين الإرادة الإلهية والرغبات الشعبية - الخاضعة للأفكار البشرية المتقلبة - تحت مسميات عديدة من قبيل: العيش المشترك، الوحدة، التسامح، الدين يسر.. ومعها ألف ذريعة تخدع المؤمنين عن امتحان الصبر والتمحيص في الثبات على الدين.

[ فإذا مُحِّصوا بالبلاء قَلَّ الديّانون ]، سيد الشهداء عليه السلام(6).


-----------------------
(1) سورة يوسف: 53.
(2) سورة الأنعام: 116.
(3) سورة العنكبوت: 2.
(4) سورة التوبة: 16.
(5) سورة البقرة: 143.
(6) تحف العقول: 245.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟