المحذور في تأسيس فقهٍ جديد [3/3]


☆ هذه الحلقة الثالثة في مقام الجواب عن هذا السؤال، وقد خلصنا أخيراً إلى وجود التهافت الشديد في كلمات صاحب المقولة - وما أكثره - فهو من جهةٍ يقول: (إنّه لم يثبت عندنا أنّه لا بدّ من بقاء حجر على حجر، وأنّه لا يجوز تأسيس فقه جديد)؛ ومن جهةٍ يجعل ذلك من المسلّمات التي لا يمكن تجاوزها، ويؤيّد ما قاله الشهيد الصدر رحمه الله أنّ هذا الكبرى من الوجدانيات، ويفتخر بأنّه قد أوضح هذه الكبرى دون سائر الفقهاء، وبيّن أركانها، ومواردها، و..، فكيف يجتمعان!!! فهل تخلّى عن الوجدان عندما قال: (لم يثبت عندي أنّه لا يجوز تأسيس فقه جديد)؟!

⊙ أمّا الدليل على الكبرى المسلّمة في كلمات الفقهاء والمحققين، وهي محذوريّة لزوم تأسيس فقه جديد بالمعنى الذي بيّنته وذكرتُ معالمه وخصائصه في الحلقة الثانية، فمن وجوه لا تخفى على أهل العلم، اقتصر على اثنين منها:

¤ كونها من القضايا الفطرية، وأقصد بذلك القضايا التي يلازمها برهانها، ولا ينفك حضور هذه القضايا في النفس عن حضور برهانها، ويقصد من حضور البرهان الأعم من الحضور الارتكازي والحضور التفصيلي، ويقولون عنها بأنّها قضايا قياساتها معها. وللتوضيح نضرب المثال التالي: لو أنّ باحثاً عنده مجموعة من القضايا الاعتقادية، التي يؤمن بها باليقين والبرهان. ولكنّه غفل في مقام البحث عن الفروع، فالتزم بفروع تؤدّي إلى ضرب تلك القضايا اليقينية البرهانية التي يؤمن بها بحسب الفرض. فلو أغفلنا مقام البحث والجدل مع الغير، سوف نلاحظ أنّ هذا الباحث نفسه لو التفت إلى الملازمة المشار إليها، فإمّا أنّه سوف يرفع اليد عن تلك الفروع، وإمّا يثبت عدم الملازمة بين الالتزام بها وإبطال تلك القضايا الاعتقادية. ولا يمكن أنْ يقول لنفسه: فليكن الأمر كذلك، فإنّه لم يثبت عندي لزوم بقاء حجر على حجر. فإنّه في هذه الحال إذا أردنا أنْ نكون مؤدبين معه، فليس لنا وصفه إلا بكونه سفسطائياً؛ لأنّ هذا المنهج سوف يتركه في غيابت الفراغ، لا يهتدي إلى حقيقة، ولا يثبت حقاً؛ لأنّ كلّ ما يثبته من قضايا، يجري عليه قوله: (لم يثبت عنده لزوم بقاء حجر على حجر)، فإذا أدّى لازمٌ إلى بطلان ما أثبته، يهدمه؛ حيث إنّ حكم الأمثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد.

¤ أنّ القياس الذي ترتكز عليه القضية الفطرية، هو قياسٌ استثنائيٌّ، يبتني على استثناء نقيض التالي لينتج نقيض المقدّم. وصورته:
• الالتزام بهذا المنهج، أو النظرية، أو ...، سوف يؤدّي إلى مجموعةٍ من الالتزامات يعدُّ تبنّيها خروجاً عن المسار العام للإرتكازات الثابتة في الشريعة.
• ولكنّ الخروج عن المسار العام لا يمكن الالتزام به.
• فالنتيجة: عدم إمكان الالتزام بهذا المنهج، أو النظرية، أو ....

⊙ أمّا الملازمة المذكورة في الصغرى، فهي مفروضة التحقّق، كما أوضحتُ ذلك في الحلقة السابقة.

⊙ أمّا الكبرى، فبرهانها: أنّ المفروض كون المسار العام قد تولّد نتيجةً لقناعاتٍ صاغها الفكر الفقهي نتيجة لعصور من البحث والتنقيب. وهذا المسار العام يرجع بالأخير إلى اليقين؛ تطبيقاً لقاعدة كلّ ما بالذات يرجع إلى ما بالعرض. نعم، لو ناقشنا في كون التالي في الصغرى ليس هو المسار العام، فلا تلغي هذه المناقشة القاعدة التي نبحث عنها، ولا يعدّ ذلك اعتقاداً بعدم الضير في عدم بقاء حجر على حجر. ففرق بين مقولة ذلك البعض (أنّه لم يثبت عندنا أنه لا بدّ من بقاء حجر على حجر)، وبين أن يقال إنّ الالتزام بهذا المنهج، أو النظرية، لا يؤدّي إلى عدم بقاء حجر على حجر.

⊙ ثمّ إنّ قوله: (أوليس الفقهاء أسّسوا لنا فقهاً غير موجود في الكتاب والسنة)، في مقام تبرير عقيدته بعدم ضرورة بقاء حجر على حجر، جنحةٌ كبرى، لا أعتقد أنّ محكمة العدل الإلهي سوف تهملها إذا امتاز الأخيار عن الأشرار.
أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟