مفهوم التولي في القرآن الكريم

الباحث عبدالزهراء المير طه
التولي مأخوذ من والى بمعنى شايع وأحب بإخلاص وهو معنى المتابعة وهو الحبّ والمودّة لأولياء الله قلباً وإظهاره عملاً وهو فرع من الدين؛ لأنه انعكاس للإيمان في مقام العمل والممارسة، كما قال تعالى: (وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإَبْراهِيمَ)(1) أي مواليه حدّ الإخلاص، ومنه موالاة النبي (ص)؛ لأهميتها بعد الله (تعالى) كما في قوله تعالى: (وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ)(2) ومنه موالاة أهل بيته (ع)، وهم من خُصِّصوا بالمدح في القرآن الكريم بآيات كثيرة أهَّلتهم لأن يوالَوا وجوبًا؛ لعصمتهم وغيرها من الصفات الخاصة بهم ولم تكن لغيرهم، فكانت الموالاة من اختصاصهم بها ومن تلك الآيات:

1- قوله (تعالى): ( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )(3)

2- قوله (تعالى): ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ )(4)

3- قوله (تعالى): ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ )(5)

4- ومن أدلة الموالاة بمعنى الطاعة وامتثال الأوامر وترك النواهي قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ)

وقد فُسِّرت الموالاة بالمفاداة لهم، وأول من تمثل بهذا الأمر الإمام علي (ع) لرسول الله (ص) بمبيته على الفراش كما في قوله (تعالى): ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ )(6)، وفي نصرته للرسول في الحروب كما في قوله (تعالى): ( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ )(7)، ثم صارت الموالاة له ولآله (ع) من قبل شيعتهم؛ لأنهم كما يمثلون الدين في الرخاء كذلك يمثلونه في كل حرج يقعون فيه وشدة تعتريهم من أعدائه مما قد يحوجهم إلى النصرة والدفاع عن حقهم بالحجة والبرهان ـو لا ـقل من حسن اتِّباعهم في سيرتهم واتصافهم بصفاتهم عقيدة وعملاً مع الورع والاجتهاد والعفة والسداد.

5- وفٌسِّرت الموالاة بالإيثار وهي من صفات النبي وآله (ص) كما في قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)(8)، فمن موالاتهم الصادقة الاتِّصاف بصفاتهم .

6- وفُسِّرت الموالاة بالمودة الفائقة في قوله تعالى: ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )(9)، أو بالمحبة ومنه قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ )(10)

ولمعنى التولي وجود في صميم النفس الإنسانية فالنفس جُبِلَت على هذا المعنى بأن تميل للفضائل والجمال، وهذا الأمر لايختلف فيه اثنان فعندما تتولى الفضائل وتتولى أصحاب الفضائل تكون في عملية السير على الحقّ والصراط المستقيم وخط العصمة، وماعدا ذلك يكون السير نحو الضلال والانحراف.

وقد أشار القرآن الكريم إلى التولي بقوله: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ )(11)، فالذين آمنوا وليهم الله والذين كفروا أوليائهم الطاغوت.

ونهى عن موالاة غير الإسلام في قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(12)، وقولنا عند كل صلاة بطلب الهداية على الصراط ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ . صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )(13) أي نريد الهداية على الصراط المستقيم صراط أهل الحق.

وفي سورة العصر أقسم الباري (عزّ وجل) بالخسران للإنسان إلا الذين آمنوا: (وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإْنْسانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ )(14)، فالإسلام لايكفي للاستثناء من الخسران، بل لابد من الإيمان، ولا يخفى من أن الإسلام أدنى مرتبةً من الإيمان كما في قوله تعالى: ( قالَتِ الأْعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإْيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(15)، وقد حذر القرآن عن الارتداد عن الايمان متنبأً بحصوله لبعض المؤمنين بقوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (16)، فارتدادهم لايضر الدين؛ لأن الله (تعالى) كفل باستبدالهم بغيرهم يتحملون مسؤولية الدفاع وذكر صفاتهم بانهم يحبهم الله ويحبونه إلى آخر الآية، ويمتلكون الجرأة والشجاعة لمواجهة التقاليد الخاطئة، والوقوف بوجه الانحراف والضلال التي تريد إضعاف المؤمنين والاستهزاء بهم.


--------------
(1) سورة الصافات: 83.
(2) سورة المائدة: 56.
(3) سورة الأحزاب: 33.
(4) سورة المائدة: 55.
(5) سورة المائدة: 56.
(6) سورة البقرة: 207.
(7) سورة الأنفال: 62.
(8) سورة الحشر: 9.
(9) سورة الشورى: 23.
(10) سورة البقرة: 222.
(11) سورة البقرة: 257.
(12) سورة المائدة: 51.
(13) سورة الفاتحة: 6-7.
(14) سورة العصر: 1-3.
(15) سورة الحجرات: 14.
(16) سورة المائدة: 54.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

كلامٌ حول حديث «المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»