إشكالاتُ (السوق المربحة)
![]() |
الشيخ علي يعقوب |
بالإضافة لدروسه الحوزوية، برز أحد المتحدثين بسبب برنامج مطارحاته العقائدي الذي كانت تبثُّه إحدى شاشات التلفزة، وقد انتقل -أي البرنامج- لمرحلةٍ جديدةٍ بعد أن انضمّ له برنامجٌ مهدويٌ على ذات الشاشة في سبتمبر 2009م، وقد رافق ذلك تبدُّلٌ في منهجية البرنامج، فبعد كونه منصبًا على بحث التوحيد والنبوة والإمامة في أنفسها، صار مخاطبًا للمخالفين، إلا أنّ تحوُّلاً نوعيًا كبيرًا جرى للمتحدّث وبرنامجَيه في مطلع عام 2010م بالنحو الذي تسبّب في مضاعفة متابعي البرنامجَين، بل وإبهارهم -من مؤالفين ومخالفين-، بل وصار حديث الساعة، مِمَّا ساهم بإبراز شخصية المتحدث وتعاظم سمعته الجماهيرية بالإضافة لسمعته الحوزوية السابقة الناشئة من كثرة دروسه التي تتميّز ببيانه وعرضه ومن كثرة تلاميذه.
وهكذا جرت الأمور وشهرة الرجل تزداد اتساعًا حتى جاء عام 2012م، فخرجت منه بعض التصريحات المتناولة لبعض الفقهاء تحت عنوان التنظير والترويج لفكرة "المرجع الشمولي" -المتجسدة فيه طبعًا-، فليس المرجع مرجعًا ما لم يكن مفسِّرًا متكلِّمًا فيلسوفًا... ، ولا يجوز للمؤمنين الرجوع لأحدٍ ما لم يكن الأعلم في جميع المعارف الإسلامية، فتفرَّق عنه أهم أعوانه في برنامجَيه! وزاد الطين بلّة ما جاء في عام 2013م؛ إذ كان تحوّل دفّة البرنامج أوضح عند تصريحه بالدعاوى العريضة حول الإسرائيليات في تراث مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وغير ذلك مِمَّا جرى مجراه.
ومِمَّا حبلت به الأيام أن جرى بين المتحدِّثِ وأحد تلامذته -يقول أنه (المشرف (السابق) على جميع السياقات الإداريّة) [2014/7/15] لمكتب أستاذه ومؤسسته ومشروع مرجعيته- خلافٌ لا ضرورة للحديث عن طبيعته الآن، ومع مرور الأيام، يُلمِّح الأخير -أي تلميذه ميثاق- عبر وسائل التواصل بالخلاف بينه وبين أستاذه مصحوبًا بدعواه التردُّدَ عن كشف الخلافِ وبعضِ ما اكتنفته تجربته مع صاحبه [2014/8/15]، ليشرع في ذلك لاحقًا وبنحوٍ تدريجي [2015].
لم يكتَفِ الرجل بالتصريح بخلافه مع أستاذه، بل كشف بعض الوثائق المصورة والصوتية -خاصة وغير خاصة- وجهر ببعض ما سمعه من أستاذه في النطاق الخاص وغير ذلك، وقد مثَّلت بعض هذه الوثائق كشفًا لسرقاتٍ علمية وأخرى لتهافتٍ في الطرح العلمي وغيرها -مما لا أهمية للتعرض له في هذا السياق الآن-، هذا وفلتات لسان الرجل -أي ميثاق- تكشف عن مكنونه بين الحين والآخر وعن خلفياته، إلا أن (لغة البازار) [2015/7/5] لا تقتضي التصريح بهذا المكنون بوضوح؛ فليست (سوق) التشكيك (مربحةً) [2015/9/20] حينها.
انتهى الرجل من تناول أستاذه، وانتقل للضرب والطعن في العلماء والفقهاء من باب التنبيه والتصحيح كما يدَّعي، لا بأس فـ (لغة البازار) حينها تقتضي أن يُبرِز شيئًا من الاحترام للفقهاء، وإن تضاءل هذا الاحترام مع مرور الأيام، تعرَّض أثناء ذلك وبعده لملفَّاتٍ متعددةٍ من نزاهة الفقهاء إلى وجوب الخمس إلى غير ذلك.
تجري الأيام، وينتقل من سكناه في قم إلى لندن، وتجري وتجري، فيشرع في الضرب في الإمامة الإلهية ومعالمها أو ما يسميه (الإمامة بالمعنى الواسع والعرض العريض) [2017/4/30] -أي ما يشمل العصمة والنص الإلهي والاثناعشرية... - رغم أنه هو من قال في التعليق على ما هو أقل من دعاويه في هذا الملف أن ذلك إنما يقع (في سياق التأصيل لجناح (التشيّع السنّي الّلبرالي) في مدرسة أهل البيت (ع)) وهو هو من قال: (وبغض النظر عن قناعتي البحثيّة في هذا الموضوع إلا أنّي اعتقد: إن هذا البيان وأن وفّق في توسيع دائرة المذهب الشيعي على المستوى (السياسي) واستقطاب المقلّدين، إلا أنّه سيؤول في نهاية المطاف إلى: تمييع قواعد المذهب الشيعي (فكريّاً) و(عقائديّاً) و(فقهيّاً)؛ إذ يرتكز على اشتراطات درائيّة (أرسطيّة) تبتعد بمسافات عن ضوابط فهم النصّ الدينيّ، وتتّكأ أيضاً على تحليل خاطئ لمفهوم الضروريّات المذهبيّة وقيمتها المعرفيّة، ويبتعد كثيراً عن الدقّة والعمق والاستيعاب لنصوص علماء الطائفة وآرائهم، وهذا سينتج في السنوات القادمة جناحاً يساريّاً متطرّفاً في مدرسة أهل البيت)، هو من قال ذلك في سياق الرد على أستاذه بعدم كون (الإمامة الشيعيّة بأركانها الأربعة) -أي العصمة، والأحقية بـ(الخلافة السياسية) وكونهم اثني عشر وحياة الثاني عشر منهم- (من أصول الدين ولا من ضروريّاته، ولا هي من أصول المذهب ولا من ضروريّاته؛ بل هي (نظريّة) تحتاج إلى برهان ودليل) [2015/6/7]، وهو هو عينه من كان يقول عند نقده لأستاذه: (ولا أدري كيف تواترت لديه هذه الروايات وصارت قطعية، ولم تتوافر لديه رواياتٌ قطعية وجلية في خلافة علي بن أبي طالب وعصمته) [2015/6/9]، بل هو أيضًا من كان يقول لمعلّمه: (ومع هذا كلّه فلم يجد سماحته بعد التحقيق والبحث رواية واحدة (صريحة) و(جليّة) في إثبات الخلافة السيّاسيّة لعلي بن أبي طالب (ع) وعصمته...ولا أقول شيئاً سوى: حسبي الله ونعم الوكيل) [2015/6/11].
وتجري الأيام وتجري فيتعرَّض للتقليد ومرجعية الفقهاء، فيقول: (لا شكّ ولا شبهة في إنّ التّقليد بصيغته الشّيعيّة المتداولة وعرضه العريض -ونرجو التّركيز على مجموع هذه القيود- بدعة حوزويّة حادثة لا دليل على ضرورتها بل الدّليل على خلافها أدلّ) [2017/7/1] وما كأنه صاحبنا بالأمس الذي كان يتحدث حول الدور الواسع للمرجعية فيتساءل قائلاً حينًا: (في ظل الأزمات الراهنة والتحوّلات المصيريّة هل سنفاجئ قبيل بداية العام الدراسيّ القادم بإعلانات تملأ أروقة الحوزة (النجفيّة) تفيد: إن المرجع (أ) أو المجتهد (ب) سيباحث الخارج في بحث ولاية الفقيه أو كتاب الجهاد بنحو جادّ، ويؤجّل إكمال أبواب الزكاة أو الإجارة أو الطهارة أو (الحجّ) والتي بدأها عمومهم منذ سنوات طويلة؟!) [2014/8/9] وحينًا آخر: (لو مارست المرجعيّة دورها الرقابيّ التفصيليّ منذ اللحظات الأولى لتكوين العمليّة السياسيّة في العراق فهل نشهد الآن عملقة لبعض الرموز السيادينيّة وجماهيرها وتقزيماً لبعضها الآخر؟!)[2014/8/24]، أ ليس تساؤلاه هذان داعيين لمساحةٍ أوسع لمفهوم المرجعية -حتى ممّا عليه (المفهوم التقليدي)-؟! بل وما كأنه صاحبنا (المشرف (السابق) على جميع السياقات الإداريّة) لـ(المرجعية الشمولية) التي كانت تشترط الأعلمية في جميع المعارف الإسلامية من تاريخٍ وتفسيرٍ وكلامٍ وفلسفةٍ... ، لا تعجب! فإنها مقتضيات (قانون العرض والطلب) وربما أيضًا قانون (ما يطلبه المستمعون) [2015/6/7]!!!
ربما يُقال أن التبدل في الآراء سلوكٌ علميٌ طبيعي، حتى ولو كان في غضون (أيامٍ (علميةٍ) قليلة) [2015/6/9]، وبغض النظر عن رأي مثلي إلا أن التلميذ قال في تعليقٍ على أستاذه: (وقد نسي سماحته (دام مجده) إن هذه التبدّلات السريعة في (الآراء) و(المواقف) و(التقييمات) لا تكشف عن حركية العالم وتجدده كما يحسب ويظن، بقدر ما تدل على عدم الدقة وعدم العمق في تبني الآراء والدفاع عنها؛ فنحن نعرف أن الأفكار والنظريات والتقييمات التي تصدر من العلماء (الحقيقيين) لا تتغير ببساطة)[2015/4/19]، بل تأمَّل أن هذا المستشكل هو القائل لأستاذه: (وبعد هذا الكلام بأيام (علمية) قليلة، وبعد أن ضاق الخناق على صاحبنا وافتضح كلّ شيء: استدعت المصلحة أن يركب موجة التجديد والإصلاح في الموروث الديني وهو لا يعلم أن دعاة هذه المشاريع لا يعدونه سوى مغاليًا لا يفقه أبجديات الموروث الديني وتجديداته... نعم تحوّلت هذه الروايات التي عدَّها متواترةً وقطعية قبل أيام لتصبح روايات مغالية وضعها الاتجاه الغلوي الذي وقف الأئمة عليهم السلام في مواجهته) [2015/6/9].
هذه القصة باختصارٍ يا أخي، يا من تسأل عن التلميذ المعني، قد (أسمع من هنا وهناك (هَوَسات) من بعض من يعتاش على الإثارة والزوبعات)[2015/6/15] تدافع عن التلميذ وعن ما وصل له حاله، إلا أنّي (إلى من أفسد في فقه الإماميّة بالانتقائيّة والمزاجيّة والبازاريّة... إلى من حرق وسيحرق الأخضر واليابس في سبيل ذاته وعنوانه...أهدي هذه الكلمات) [2015/6/8]:
(كم هو جميل أن يقدّم الإنسان: مصلحة الدين على مصلحته، يسحق على ذاته وأنويّته، ويتخلّص من الترسبّات الخاطئة لتربيته، يطابق بين ظاهره وباطنه، ويعي: إن حبل (الكذب) قصير، ويوم الحساب عسير... سنقارن اليوم بين العالم المملوء الذي يتحرّك وفقاً لما تمليه عليه نداءات السماء والدين، وبين من يتحرّك استجابة لنداءات رغباته وشهواته وحبّه لذاته ودنياه... )[2015/6/13]، نعم، رأينا وسنرى بوضوح الفرق بينهما، أعدّ العدة واختر لنفسك ما يُنجيك في غدٍ؛ فإنك تعلم أن كل ما جنيته ممّا تعلمه وكل ما ترجو أن تجنيه إلى زوالٍ واضمحلال، ليس ينفعك بين يدَي باريك.
تنويه: كل ما بين قوسَين، فهو من ألفاظه، وأما الرقم الذي يليها بين معقوفتَين فهو تاريخ تصريحه بها -ميلاديًا- عبر حساباته في الشبكة.
تعليقات
إرسال تعليق