دِفاعاً عَن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)
![]() |
الشيخ إبراهيم جواد |
ذكر السيّد كمال الحيدري في الدرس (11) من نظرية المعرفة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي بتاريخ 6 شعبان 1438 هـ، في الدقيقة [39:55] وما بعدها (1) كلاماً كثيراً حول شخصية الصحابي عبدالله بن عبّاس رضي الله عنه، وتعليقاً على ما ذُكِرَ في الدرس أقول:
أولا: لم يَعدُ
مِنَ المجدِي عِلْميَّاً تقديم المقولات الإفراطيّة على نَحو الفتوى ليُقالَ: إنَّ
(كلَّ) مرويات ابن عبّاس من الإسرائيليات، فهذا الأسلوب يُناسب الهمجَ الرعاع
الذين يتعطّشون للمقولات الجديدة باسم التجديد والتي ظاهرها تنقيح التراث وباطنها
فراغٌ ومقولاتٌ دون إحصاءٍ وتتبع، وإلا فنحن نطالبُ بالإحصاءات على نفس المنطق الذي
يردده السيد الحيدري: (قُل هاتوا برهانكم) ولكن الظاهر أنّ فتاوى الرجل أكثر من
أبحاثه.
ثانياً: لا يخفى
أنّ مقولات ابن عباس المنقولة في التراث الشيعي قليلة بالنسبة لسعته، وذلك لأنّ
اعتماد الشيعي بالدرجة الأولى على كلام الإمام المعصوم، أمّا في التراث السني فهي
أكثر ولا سيّما في جانب التفسير، ونعني بالمقولات نفس الأقوال الشخصيّة لا
المنقولات الروائيّة.
ثالثا: إنّصغر سنّ
ابن عباس لا يمنعهُ من الرواية، فلو فرضنا أنّه أخذ رواياته عن النبي الأكرم (صلى
الله عليه وآله) قبل وفاته بعامٍ، فإنّ المقدار المرويّ عنه كافٍ، ومقارنته بأبي
هريرة مغالطة؛ لأن مقدار روايات ابن عباس لا يصل إلى نصف ما رواه أبو هريرة، هذا
مع ملاحظة أنّ جملةً من الصحابة كانوا يُسْقطون الواسطة بينهم وبين النبّي (صلى
الله عليه وآله) وثوقاً منهم بالصحابي الناقِل، وهذا غير ممتنع بالضرورة، وإلا
فليبين السيدُ المانعَ من نقل صغار الصحابة عن كبارهم مع إسقاط الواسطة، لا سيّما
مع وجود الشواهد على ذلك.
رابعاً: يبدو أن
كلام السيّد المتكلم عن روايات ابن عبّاس ناظر إلى تراثه في الكتب الحديثية
السنيّة، وبحسب الاطّلاع المتواضع على رواياته في كتب الحديث السني يظهرُ أنّ هناك
مشكلاتٍ في النقل عن ابن عباس توجب على الباحث أن يتوقف قبل أن يتهمه أو يضعه في
سياق الإشكال، ومن هذه المشكلات - على عجالة - :
أنّ بعض من أكثر عنه من رواته هم من غير الموثوقين مثل عكرمة المتهم بالكذب، وابن جريج - عنه مرسلاً - وهو راوية الإسرائيليات ومولى بني أميّة وغيرهما من المشكوك بهم، مُضافاً إلى العوامل السياسيّة التي دفعت بالعباسيين للكذب على لسانه لتقوية صورتهم وموقفهم ولو معنوياً فبنوا وضخّموا النقولات عنه في التفسير والفقه دون الاعتماد على الصحيح؛ لئلا ينتهي بهم المطاف إلى الالتقاء مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عقائدياً وفقهياً.
أنّ بعض من أكثر عنه من رواته هم من غير الموثوقين مثل عكرمة المتهم بالكذب، وابن جريج - عنه مرسلاً - وهو راوية الإسرائيليات ومولى بني أميّة وغيرهما من المشكوك بهم، مُضافاً إلى العوامل السياسيّة التي دفعت بالعباسيين للكذب على لسانه لتقوية صورتهم وموقفهم ولو معنوياً فبنوا وضخّموا النقولات عنه في التفسير والفقه دون الاعتماد على الصحيح؛ لئلا ينتهي بهم المطاف إلى الالتقاء مع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عقائدياً وفقهياً.
وغير ذلك من التناقضات والاضطرابات في المنقولات عنه، ففي الوقت الذي
يُتّهم ابن عباس بأنه نقّال الإسرائيليات، نجد البخاري يروي عنه قوله: (يا معشر
المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى
الله عليه [وآله] وسلم أحدث الأخبار بالله، محضاً لم يُشب، وقد حدثكم الله: أن أهل الكتاب
قد بدَّلوا من كتب الله وغيَّروا، فكتبوا بأيديهم الكتب، قالوا: هو من عند الله
ليشتروا بذلك ثمناً قليلاً، أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ فلا
والله، ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم).
وفي الوقت نفسه تجد عشرات الروايات التي تشير إلى نقله للإسرائيليات
إلى درجة أخذه التفسيرعن كعب الأحبار!!
وتجد عنه روايات في تنزيه الله وفي الوقت نفسه تجد الروايات الخرافية في التجسيم وغيره، فإطلاق القول في ابن عباس بهذه السرعة ممن لم يُعهد منه إلا تدريس الأسفار وفصوص ابن عربي والعلوم الأخرى بعيداً عن علوم تحقيق التراث التخصصية ليس في محله.
ويُلاحظ هنا أنّ السيد يُؤْخَذُ لُبُّه ببعض رسائل الماجستير والكتابات الأكاديميّة ويهوّل من نتائجها في حين أنّه لم يَبْحث بنفسه وجلّ ما يذكر في رسائل الماجستير إنّما هو نقدٌ على مباني المدرسة السنيّة ولا يخفى أن زاوية النقد تؤثر على النتائج، ولكن السيد يتلقّف وينبهر ومن ثمّ يخبط خبط عشواء، وكأننا لا نعرف عيوب تلك الرسائل وما فيها من مجازفات وتجوّزات (بالمناسبة: قرأت معظم رسائل الماجستير السعوديّة والكتب المصنفة حول الإسرائيليات في التفسير، ولا أتكلم مجازفةً).
وتجد عنه روايات في تنزيه الله وفي الوقت نفسه تجد الروايات الخرافية في التجسيم وغيره، فإطلاق القول في ابن عباس بهذه السرعة ممن لم يُعهد منه إلا تدريس الأسفار وفصوص ابن عربي والعلوم الأخرى بعيداً عن علوم تحقيق التراث التخصصية ليس في محله.
ويُلاحظ هنا أنّ السيد يُؤْخَذُ لُبُّه ببعض رسائل الماجستير والكتابات الأكاديميّة ويهوّل من نتائجها في حين أنّه لم يَبْحث بنفسه وجلّ ما يذكر في رسائل الماجستير إنّما هو نقدٌ على مباني المدرسة السنيّة ولا يخفى أن زاوية النقد تؤثر على النتائج، ولكن السيد يتلقّف وينبهر ومن ثمّ يخبط خبط عشواء، وكأننا لا نعرف عيوب تلك الرسائل وما فيها من مجازفات وتجوّزات (بالمناسبة: قرأت معظم رسائل الماجستير السعوديّة والكتب المصنفة حول الإسرائيليات في التفسير، ولا أتكلم مجازفةً).
خامساً: ينبغي أن
يؤخذ بعين الاعتبار أنّ ابن عباس من أعاظم أنصار أمير المؤمنين (عليه السلام)
وأشدّ المعادين للخط الأمويّ، ومن الطبيعي أن يتعرّضَ أيضاً للكذب عليه لا سيّما
أن جملة مما نُسبَ له يلائم العقيدة الأموية في التجسيم وبثّ الإسرائيليات ويُخالف
الخطّ العلويّ الذي التزم به ابن عباس وهو الخط الذي يخالف التجسيم والجبر وأكاذيب
أهل الكتاب.
سادساً: وبالتالي:
ما دام أنّ الكلام محوره روايات ابن عباس في التراث السني، فكل ما كان ويكون هو
طحن في الهواء؛ لأنّه لا يترتب على ذلك شيء بالنسبة للتراث الشيعي والمنظومة
العقائديّة والفقهيّة، وهذا ما يهمُّنا في المقام، وبعدها الحريق والطوفان، وليس
وراء عبّادان قرية.
سابعاً: يُنْصَحُ
بإزاحة الأسلوب القصصي من مجالس البحث العلميّ، والابتعاد عن القصص ذات النفس
التحريضي ضد حوزة النجف الأشرف، فهذا يُقلّل من شأن بحث الخارج الذي أمسى خارجاً
عن البحث.
ملاحظة أخلاقيّة:
إنّ من سوء
الأدب أن يُعبّر المتحدّثُ عن الصحّابي الجليل عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)
بحركة اليد الاستهزائية والقول: (ابن عباس والجوقة مالته) ومن الواضح - بشكل عمليّ
- أن كتابة كتابين وثلاثة في الأخلاق والتقوى والعرفان لا تهذّب النّفس، لا سيّما
إذا تسلّط الشيطان على النفس وخدعها بتوهّم التعاظم.
و يبدو أنّ وهم المرجعية الشموليّة قد جعلَ لسان السيد المتكلّم سيفاً يبتر به كل من فوقه ليتعالى مُشبعاً غروره، وإلّا فالبحث علميّ محض ولا حاجة لهذا الصراخ والانفعال واللهجة المتدنيّة.
------------------------------------------------
(1) بالإمكان متابعة المقطع المرئي من موقع السيّد الحيدري على الرابط التالي:
(http://alhaydari.com/ar/2017/07/60910)
و يبدو أنّ وهم المرجعية الشموليّة قد جعلَ لسان السيد المتكلّم سيفاً يبتر به كل من فوقه ليتعالى مُشبعاً غروره، وإلّا فالبحث علميّ محض ولا حاجة لهذا الصراخ والانفعال واللهجة المتدنيّة.
------------------------------------------------
(1) بالإمكان متابعة المقطع المرئي من موقع السيّد الحيدري على الرابط التالي:
(http://alhaydari.com/ar/2017/07/60910)
كما يمكنُ متابعة التفريغ النصّي لكلامه على الرابط التالي:
مع ملاحظة أنّ التفريغ لم يورد النصّ بتمامه كما أورده السيّد في الدرس.
تعليقات
إرسال تعليق