المراوغة والكذب على الذات
![]() |
السيد مصطفى الياسين |
يلجأُ البعض إلى الكذب على الذات ليَحيا في مجتمع يسود فيه التنافس، البُروبيجَندا(1) الإعلامية الكاذبة تُربَطُ بمعانٍ ملتوية ومفاهيمَ جذابة ليعيشَ هو ومن حذَا حذوَه بأوهامِها، لكي يفتنَ غيرَه بشعورِ التمكنِ والانبساطِ والسيطرةِ ليُحدِثَ في نفسِه توازنًا نفسيًا وهميًا بالكذبِ على الذاتِ.
مقالُنا لا يُعبّر عن حالةِ النُوستولوجيَا(2) والحنينِ إلى الماضي التقليدي بقدرِ ما هو رجوعٌ إلى كلامِ اللهِ والعترةِ الطاهرة: ﴿وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ﴾(3).
الكاذبُ على ذاتِه يوحِي لنفسِه دائمًا الاستمرارَ في الحياةِ بإعطاءِ غطاءِ الشرعنة لأعماله المخالفة للدين وروحِه، بإرسال صورٍ لطلبةِ علمٍ سجلّوا حضورًا في مهرجانِ ( #أحساؤنا_جميلة ) ليُوهمَ غيرَه كما أوهمَ ذاتَه بأن ما قامَ به مجانبٌ للخطأِ مع اعتقادِه وقطعِه الجازم أن بعض ما يقومُ به مخالف للدين وروحه والأعراف المناطقية، وهذا إن دلَّ إنما يدلُّ على حالةِ استمداد الثيوقراطية(4) من رجالِ الدين لما لهُم من المكانةِ والقدسيةِ في قلوبِ الناس.
الأسلوبُ الديماغوجي(5) الذي يتّبعُه بعضُ المنظمينَ هو أسلوبُ خداعٍ يتّبعُه القادةُ لجذبِ الجماهير وضمان طاعتهم من خلال اللعب على مخاوفهم وأفكارهم السابقة كأن يخلق القائد كذبةً هو يعلمُ مسبقًا أنّها ستثيرُ مخاوفَ الجمهورِ ثُمَّ يخلقُ الحلولَ ويقدمُها لهُم فيظهرُ بمظهرِ المنقذِ والمنجي مما يخافونَه وبهذا يضمنُ طاعتَهم للأبد.
عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبد الله (ع): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم، ولعلَ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيَهما أفضل؟ قال: "الرواية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد"(6).
حينما دعونا الناس إلى الحفاظِ والصون لأعراضهم لم تكن دعوتنا وليدة نظرة قاصرة واندافاع متهور، بل هي نابعة من ملاحظة تجارب وأزمات مرت وعبرت على مجتمعات لمسنا منها ما حذرنا منه سابقاً.
----------
(1) أي الدعاية.
(2) أي الحنين إلى الماضي.
(3) سورة المائدة: ٦٦.
(4) السلطة الدينية.
(5) استمالة الجمهور باستغلال فنون الكلام على نحوٍ خادع.
(5) الكافي: ج1، ص33، ك فضل العلم، ب صفة العلم وفضله...، ح9.
تعليقات
إرسال تعليق