اللادينية سرطان المجتمع

منذ فتح الإنسان عينيه على هذه الحياة وهو لا ينفك عن ارتباطه بالإله والدين، مهما اختلفت الأديان والآلهة، وعلى الجانب المقابل تنبض فكرة اللادين في قالب إنكار الإله، ولأن فكرة إنكار الإله قد تبدو صعبة جداً انبثقت فكرتي اللاأدرية والربوبية فصارت الأفكار الثلاث مثلثاً شيطانياً، وهذا النبض يزداد ويقل مع الزمن، وقد عاد في زمننا الحاضر من جديد متلبساً بصورة العلم الحديث، ، والأفكار الثلاث مهما ازداد عدد معتنقيها إلا أنها لا تزال نسبة ضئيلة لا تقارن بعدد معتنقي الأديان، فهنا يرد السؤال: إذن لمَ الخوف من اللادينية رغم قلة أتباعها؟

فكرة إنكار الإله أو إنكار وجود دين، يترتب عليها أمور خطيرة فكرياً بل هي أخطر من كل الحركات الإرهابية، وكما نعلم فإن محاربة الفكر الإرهابي من مسلمات القوانين العالمية، فلا حرية لأي فكر أو حركة إرهابية، وعلى ذلك فنحن نقول أن اللادينية وأقصد بها إنكار الإله واللاأدرية والربوبية لا تقل خطورة عن هذه التيارات الإرهابية، بل هي أشد خطورة.

لماذا؟ لأن إنكار وجود دين يفصل الإنسان عن الجانب الغيبي من إنسانيته فيصبح الإنسان مجرد حيوان ثدي، ليس له ارتباط بعالم آخر، فلا ينتظره معاد ولا جنة ولا نار، وبذلك فهو حيوان كسائر الحيوانات يتميز عليها بتطور دماغه وبعض أجزاء بدنه عنها، وهنا تكمن المشكلة وتَرِدُ الأسئلة المهمة.

ما هي القيم؟ ما هي الأخلاق؟ ومن يحددها؟

ما هو العدل؟ ما هي الحكمة؟ ومن يحددها؟

بل والأهم ما هي حدود الحرية؟ ومن يحددها؟

قبل الإجابة لنشرح بصورة سريعة كيف يفسر المتدين هذه الأمور، الإنسان يرى بفطرته ميلاً لبعض القيم الأخلاقية كحسن الصدق وقبح الظلم ولكنه لا يجد لها مفسراً، كذلك بالنسبة للعدل، والذي يفسر هذه الأمور هو الدين، فالدين هو من يؤكد هذه الأمور ويقول للإنسان الصدق حسن والكذب قبيح، العدل حسن والظلم قبيح، فهذه الأمور مغروسة فيه والدين يؤكد عليها.

كذلك الحرية فالإنسان لديه غرائز ورغبات لا يعرف إلى أي مدى يحق له إشباعها، وهو يعيش مع بشر آخرين ومخلوقات أخرى أيضاً، فمن الذي يضح حدود حريته في التعامل مع غيره؟ الدين هو أفضل من يرسم هذه الحدود، وأي إنسان سيرسم هذه الحدود سيسأل على أي أساس رسمت هذه الحدود؟ وأي إجابة سيُسأل على ماذا استند فيها؟ وبالعادة المرجع سيكون هو الدين، وأي جواب آخر يستطيع أي شخص رفضه.

ومن هنا تنبثق عدة أمور مرعبة من اللادينية في الحياة الاجتماعية

تفسير الأخلاق

يولد الإنسان وبداخله ضمير يحوي عدة قيم ومفاهيم أخلاقية كحسن الصدق وقبح الظلم، لكنه لا يجد مفسراً لوجود هذه الأمور، فهو مجرد كتلة من العناصر الكيميائية من أين لها هذه المفاهيم المجردة؟ 

ولا مفسّر لها سوى الدين الذي يقول له أن الإله أودعها فيه وأن هذا الجسد المادي مرتبط بروح غير مادية لا ترى، وبذلك يكون للإنسان وجود غيبي يسيطر عليه ويحكم نزعاته المادية، فلو غاب القانون وغابت السلطة التي تبطش بجرائمه فإن ضميره يمنعه من ارتكاب الجريمة، ومن مخالفة الأخلاق.

  ومهما ردد اللاديني عبارات رنانة كمبدأ العقد الاجتماعي لوضع قانون أخلاقي أو مبدأ لا تفعل لغيرك ما لا ترضاه لنفسك، فكل ذلك لا يُلزم اللاديني فهو مجرد حيوان ثدي يلبي غرائزه ورغباته، لو أمن عقوبة قانون الدولة فلا شيء يمنعه من اغتصاب أمه وسرقة أخته وقتل ابنه، لا شيء يمنعه من ممارسة الجنس مع الحيوان أو حتى اللواط بابنه، لا يوجد حدود تمنعه من ارتكاب أي جريمة لو ارتفع القانون، لا شيء يمنعه من الكذب والنفاق والاحتيال، يستطيع خيانة زوجته بدون أي مشكلة.

هذا الأمر ليس افتراضات من الخيال بل وصف لحال المجتمع بلا دين، فكما يقيد القانون الإنسان من ارتكاب الجريمة، كذلك الدين يقيده داخلياً من ارتكابها، بل وفوق ذلك فإن الدين يُثيب الإنسان على فعل الفضيلة ويعده بالمقابل في الدنيا والآخرة وبذلك يسود المجتمع المحبة والألفة والتلاحم.

وهنا أكتفي بذكر مثالين لتفكير المجتمع اللاديني على لسان بعض رؤوس اللادينية بزماننا:

1-لورنس كراوس(1) يصرح بأنه لا مشكلة في زواج المحارم، ذكر ذلك في مناظرته مع حمزة تزوتزس بعنوان الإسلام أم الإلحاد(2)

2-جواب ريتشارد دوكينز(3) بأحد المقابلات لسؤال أحد الحضور حول ممارسة العلاقة الجنسية بين الأخوات، والمميز أنه قبل الإجابة علق على السائل أنه من ذكاء السائل اختياره كون الفتاتين شقيقتين، ثم أجاب أنه لا يوجد ما يمنع من ذلك بل يرى أنه من الاستبداد منعهما.

تدمير الحياة الاجتماعية

حيث أن الإنسان مخلوق اجتماعي سواءً أكان اجتماعي بالطبع أو بالاضطرار، فإن انتفاء الأخلاق يسلب كل دوافع الإحسان والصدق والاحترام مع الآخرين، فأنت تتعامل مع الآخرين وفق مصلحتك الشخصية فقط ومساعدتك لهم بلا مقابل هي خسارة لك ولن تجد منها فائدة في الآخرة، فلماذا تصدق مع هذا وتكون أمين مع ذاك؟ لماذا تحترم هذا وتساعد ذاك؟

 وهذا الأمر يعمل على زعزعة الثقة بمن حول الإنسان حتى يميل للانطواء والفردانية 

ومن الصعب أن تجد لا دينياً يناقش تفسير وجود الأخلاق لأن الأمر معضلة بالنسبة له، لكن سأناقش ما يلازم كلام رب الإلحاد في زماننا وهو ريتشارد دوكينز في كتابه الجين الأناني في بداية الكتاب(4)، حيث يتكلم عن صفة الأنانية والإيثار، الملفت أنه يقر بصفة الأنانية ، لكنه لم يتعرض لتفسير وجودها، نعم ربما يحاول تبريرها بغريزة البقاء وما شابه من تفسيرات نظرية التطور، ولكن كل ذلك لا يبرر من أين جاءت هذه الغرائز؟

وسأنقل بداية كلامه(5): 

أضف أنني لا أتحدث عن السلوك الأخلاقي الذي يجدر بنا اعتماده. وأنا أشدد على هذه المسألة لأني أعلم أنني أواجه خطر أن يُسيء فهمي كثيرون عن التمييز بين التصريح بالإيمان بما هو عليه الحال وبين الدفاع عما ينبي أن يكون عليه الحال. شخصيا أعتقد بأن المجتمع البشري مبني فقط على قانون الأنانية الكونية العديمة الشفقة للجينة، سيكون مجتمعاً كريهاً يصعب العيش فيه. لكن لسوء الحظ، ومهما بلغ استهجاننا أيّ أمر، فهذا لا يحول دون كونه حقيقة. ولابد لي من القول إن غايتي من هذا الكتاب أن يكون مثيراً للاهتمام. لكن إذا كنت تود الخروج بعبرة منه، فاقرأه كإنذار. في حال كنت مثلي ترغب في بناء مجتمع يتعاضد أفراده بسخاء بعيداً عن الأنانية لما فيه الخير العام، تنبه إلى أنك لا تستطيع توقع الحصول على الكثير من الدعم من جانب الطبيعة البيولوجية. فنحاول تعليم الكرم والإيثار، لأننا وُلدنا أنانيين. لنحاول فهم ما تخطط له جيناتنا الأنانية، لأننا قد نحظى عندئذٍ أقله بفرصة لإفساد مخططاتها، وهو أمر لم يَسعَ إليه أيّ من الكائنات الأخرى.

فلاحظ أنه يُثبت ما سماه بقانون الأنانية وأنها الأصل وأننا نحتاج لتعلم الكرم والإيثار، لأنه يتعامل مع الإنسان كمخلوق مادي حيث يقول: (تنبه إلى أنك لا تستطيع توقع الحصول على الكثير من الدعم من جانب الطبيعة البيولوجية) 

بل إن طيات كلامه أيضاً يشم منها نفي الأخلاق، فهو يشكك في وجود شيء اسمه الإيثار ويعتبرها أمر ظاهري قد يستطبن في أصله الأنانية، بل لعل الكتاب بكامله قائم على إثبات ذلك.

لكن دوكينز لم يبرر من أين جاءت صفة الكرم والإيثار؟ هل هي فقط لما عبر عنه بـ (لما فيه الخير العام) فإن كان الأصل الأنانية فأغلب البشر سيقول ما شأني أنا بالخير العام؟ يهمني نفسي ومصلحتي فقط

وغريزة الأنانية هي غريزة حب البقاء، من أين جاءت؟ فالكائنات الحية مجرد عناصر ومركبات كيميائية؟

وهنا يجب لفت الانتباه لأمر مهم، إن كانت الجينة الأنانية هي الأصل كما يدعي دوكينز وأن الكائنات الأنانية هي التي تعيش حيث أن صاحب الإيثار يضحي بنفسه ويموت أو يعرض نفسه للانقراض، فمع الزمن يجب أن ينقرض وجود الإيثار والأخلاق؟ فمن أين تعود هذه الصفات؟

لماذا تظهر صفة الإيثار مجدداً بل لنضرب مثالاً أوضح، لماذا لا تندثر صفة الإيثار في النحل؟

فالنحلة التي تنتج البيض هي الملكة وهي أنانية فاقدة لغريزة الأمومة –ظاهرياً- مهمتها الأساسية إنتاج البيض، وبناتها –الشغالات- هن من يهتم بالبيض ويربي الصغار؟ من أين اكتسبن ذلك؟

بل وهن من يعتني بالملكة ويجمع الغذاء للملكة ويقمن بأغلب أعمال الخلية بل كلها تقريباً، فمن أين اكتسبن كل هذا الإيثار؟ وأمهم أنانية؟

بل وفوق ذلك فإن النحلة الشغالة عند الدفاع عن الخلية من أي مخلوق  تغرس إبرتها المربوطة بأحشائها مما يؤدي لموتها، فهي إذن تقوم بكل أنواع الإيثار للخلية حتى الموت والفناء للخلية، ومن جانب آخر هي عقيمة لا تبيض ولو باضت فهي تبيض ذكوراً بلا تلقيح في حالات نادرة، بل وذكر النحل أيضاً له صفات الأنانية حيث أن وظيفته الأساسية هي تلقيح الملكة.

والملكة وظيفتها إنتاج البيض، بل إن الذكور الذين يلقحونها يموتون لأنها تكسر جزءً من جسمهم، فكيف لم تندثر صفة الإيثار عن الشغالات في النحل بل هن الأكثر عدداً في الخلية؟

والأغرب أنه حسب نظرية التطور فإن النحل تطور من كائن يسبقه وورث منه غرائزه، فما هو الكائن الذي تطور عنه النحل وورث منه كل هذا الإيثار؟ 

هل يستطيع دوكينز وهو عالم الأحياء أن يأتِ بتفسير لهذا الأمر؟ غير مغالطاته التي يلقيها عند ظهوره أمام الكاميرا بدلاً من إجابته عن وجود الأخلاق يقول أننا لا نريد أخلاق الأديان التي تشرع الرق والقتل وغيرها ثم يطالب بتكون أخلاق جديدة(6)، بينما هو لم يجب السؤال، حيث أن الأخلاق التي سيبتكرها البشر ما هو الضابط لكونها قيم أخلاقية، ومن هم هؤلاء البشر الذين سيختارون لباقي البشر ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي؟

هل هم نفسهم الذين شرّعوا زواج الشواذ؟ ألم يكن زواج الشواذ مستهجناً والآن أصبح حقاً مشروعاً، بل إنهم متخبطين حتى في تشريعه، فتارة يقولون أنه أمر جيني بيولوجي، لكن علمياً لم يثبت هذا الأمر، وتارة يقولون أنها رغبة، فيكون السؤال وهل كل رغبة يجب أن تلبى؟ البعض لديه رغب في القتل والبعض لديه رغبة للسرقة والبعض للإجرام فهل تلبى رغباتهم؟

وتارة أخرى يقولون أنها من فطرة الإنسان والدليل أنها موجودة ببعض الحيوانات والإنسان متطور وله سلف مشترك مع الحيوانات، وهنا نقول أليس الإنسان هو أرقى الحيوانات وأكثرها تطوراً فلماذا ينزل من قدره ويقتدي بها؟ بل إن الحيوانات تتزوج محارمهاً وبعضها قد يتزاوج مع أمه وابنته، فهل تريدون تشريع زواج المحارم كالحيوانات؟ ولعلهم سيشرعون ذلك مستقبلاً.

وهنا سأنقل من كتاب الإلحاد يسمم كل شيء (7) حيث يقول الكاتب:

وكما يقول المفكر الأيرلندي كليف لويس C. S. Lewis: "لنفترض أنها مجرد ذرات داخل جمجمتي تُعطي ناتج ثانوي يسمى فكر، إذا كان الأمر كذلك كيف أثق أن تفكيري صحيح؟ إنه مثل إبريق الحليب الذي عندما تخضه تأمل أن الطريقة التي تتناثر فيها بقع الحليب ستعطيك ذاتها خريطة لمدينة لندن، ولكن إذا لم أستطع أن أثق بتفكيري ولا أستطيع أن أثق في الحجج التي تؤدي إلى الإلحاد وبالتالي لا يوجد سبب لأكون ملحد أو أي شيء آخر، إلا إذا كنت أؤمن بالله، لا أستطيع أن أؤمن في الفكر : بحيث لا يمكن أبدًا أن أستخدم الفكر لعدم الإيمان بالله(8) 

فالعالم المادي لا يُقدم لك ما يبرر لك حتى معنى تمردك، وقد عبّر ريتشارد داوكينز Richard Dawkins–عرّاب الملحدين في العالم- عن فقدان المعنى والقيمة والمعيارية في إطار الإلحاد فقال: "الكون في حقيقته بلا تصميم، بلا غاية، بلا شر ولا خير، لا شيء سوى قسوة عمياء لا مبالية."(9)

فالإنسان من منظور إلحادي هو مجرد نفاية نجمية، كما يقول اللاأدري الشهير كارل ساغان Carl Sagan.(10) 

ثم يعلق كاتب الكتاب: إذن النتيجة التي نخرج بها مما سبق أن: الإلحاد يُعيد كل شيء إلى الطبيعة لأنها المركز الوحيد في هذا الوجود!

والطبيعة لا مبالية، ولا تحمل تفسيرًا في ذاتها!

وهنا يتوقف المعنى، أو بصيغة أدق: لا يمكن استيعاب المعنى لأنه غير موجود، ولا يمكن استيعاب القيمة لأنها غير موجودة، ولا يمكن ضبط معيارية أي شيء لأن كل ما سبق وبمنتهى الدقة أشياء ملوثة ميتافيزيقيًا –أي مختلطة بتصورات ماورائية غيبية لامادية-.

وبناءًا على ذلك لا يمكن الحديث داخل هذا العالم الصارم الحتمي اللاغائي عن الحس الجمالي aesthetic أو الأخلاقي moral أو القيمي value-oriented ، أو الإنساني anthropic أو الأدبي ethical ، أو العاطفي emotional فقط تسود الحتمية المادية الصراعية اللاغائية الميكانيكية الصارمة mechanical.

ويصبح من المستحيل الدفاع عن القيمة الأخلاقية المطلقة، بل ومن المستحيل استيعابها أصلاً! ويعترف ريتشارد داوكينز بذلك قائلاً: "من الصعب جدًا الدفاع عن القيمة الأخلاقية المطلقة على أرضية أخرى غير الدين."(11)

وإن كان الأصح أن يقول: من المستحيل معرفة معنى الأخلاق فضلاً عن استيعابها أو الدفاع عنها! فداخل العالم الإلحادي المادي الحتمي لا يمكن تخطئة هتلر، أو تبرئة المصلحين، وهذه العبارة الأخيرة لريتشارد داوكينز!(12)

وداخل العالم الإلحادي تصبح أكبر الجرائم خالية من المعيارية والمعنى وبالتالي لا يمكن انتقادها!

فيصبح الاغتصاب مجرد حركات عضلية متكررة بلا غاية ولا معنى، وتصبح كل الإبادات الشمولية بلا أدنى معيارية، فلا فرق بيولوجي بين إبادة أمة بأكملها وإبادة مستعمرات بكتيرية خلال عملية المضمضة!

يقول ريتشارد داوكينز: "اعتقادك بأن الاغتصاب خطأ أمر اعتباطي تمامًا(13) 

والأصح: لن تستوعب أصلاً أنه خطأ، لأن الخطأ كلمة غير موجودة في عالم تحكمه حتميات صارمة!

فكما أنه لا توجد ذرة تتمرد على خط سيرها ثم تكتشف أنها أخطأت كذلك لا يوجد إفراز مادي لكلمة خطأ حتى يستوعبه الإنسان المادي بعقله المادي...(14)

ومن هنا نعود لما بدأنا به حديثنا وهو أن اللادينية بالصور الثلاث التي ذكرناها سرطان ووباء خطير يفوق كل الأفكار والحركات الإرهابية، فهي تجسد الرذيلة بكل صورها، وكل ما يقوله المرقعون مجرد أكاذيب يختلقها أصحابها ليتقبل الناس اللادينية

أما الأديان فمهما افترضنا كون أحكامها قاسية أو صارمة فإنها في النهاية تستند على قاعدة وأساس يمكن الرجوع إليه والتذرّع به، بل الآيات القرآنية تأكد على الأخلاق والقيم، بل تؤكد أن بعثة الأنبياء قائمة على ذلك فقد قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ)(15)

وقال تعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89)  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)(16)

والكثير من الآيات تؤكد على ذلك، فالدين الإٍسلامي ليس فقط مجرد طقوس عبادية –رغم أهميتها- بل هو مشروع العدل والقيم، هو مشروع كمال الإنسان وسيأتي اليوم الموعود

الذي يطبق فيه هذا المشروع الإلهي بأبهى صورة على يد المنقذ والمخلص الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف كما في الروايات المتواترة فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام (أما والله ليغيبن عنكم مهديكم حتى يقول الجاهل منكم : ما لله في آل محمد حاجة ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما)(17) 

فحسب النظرة الدينية هذه الحياة لها غاية وهدف، وجود هذا المخلوق الذي هو الإنسان ليس بالصدفة، وليس مجرد كتلة كيميائية تهيم على وجهها، بل هو مخلوق يمتلك العقل ولديه قيم ومُثل أودعها الخالق الحكيم فيه، وهذا الخالق بعث الأنبياء ليخاطبوا العقول كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام متحدثاً عن بعثة الأنبياء: (فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ ويثيروا لهم دفائن العقول)(18) ليصل الناس إلى الكمال وأبهى صور هذه الكمال ستكون عند خروج الإمام محمد المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لورنس ماكسويل كراوس هو فيزيائي نظري وعالم فلك أمريكي كندي يعمل كأستاذ جامعي في كلية استكشاف الأرض والفضاء في ولاية أريزونا الأمريكية.

2- حمزة أندريس تزورتسيس هو متحدث وباحث إسلامي أسلم عام 2002، وهو بريطاني من أصل يوناني.

كلينتون ريتشارد دوكينز عالمُ سلوك حيوان ، وعالم أحياء تطوري ، وكاتب.

4- كتاب الجين الأناني من صفحة 11إلى ص21.

المصدر السابق صفحة 11.

6- قالها في أحد البرامج للإجابة على سؤال متدين له عن الأخلاق.

7- وسأنقل نص الكلام من كتاب الإسلام يسمم كل شيء مع المصادر كما ذكرها الكاتب.

8-https://www.britannica.com/science/electron 

9-C.S. Lewis, Surprised by Joy: The Shape of My Early Life3- The universe we observe has precisely the properties we should expect if there is, at bottom no design, no purpose, no evil and no good, nothing but blind, pitiless indifference.River out of Eden, p.131-132

10- Video Source: The Shores of the Cosmic Ocean [Episode 1]

Some part of our being knows this is where we came from. We long to return. And we can. Because the cosmos is also within us. We're made of star-stuff. We are a way for the cosmos to know itself. 06 min 04 sec

11-It is pretty hard to defend absolute morals on grounds other 

than religious ones.The god Delusion, p.232

12- What's to prevent us from saying Hitler wasn’t right? I mean that is a genuinely difficult question. 
http://byfaithonline.com/richard-dawkins-the-atheist-evangelist/

13- Your belief that rape is wrong is an arbitrary conclusion.

From an interview with Justin Brierley of "unbelievable"

الحواشي من 8 إلى 13 تابعة للكلام المقتبس من كتاب الإلحاد يسمم كل شيء.

14-الإلحاد يسمم كل شيء من صفحة 17 إلى صفحة 19.

15-سورة الحديد آية 25.

16-سورة النحل من آية 89إلى 91.

17-كمال الدين : ج ٢ ص ٣٤١ ب ٣٣ ح ٢٢.

18-نهج البلاغة ص23.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

"... أعيادكم كأيامكم" أورد عن الأمير (ع)؟

معنى قوله (ع): كونوا أحرار

هل ورد أن "أبا صالح" كنيةٌ للمهدي عج؟