بحث في نسبة ذيل دعاء عرفة إلى الإمام الحسين (عليه السّلام)
📝 ترجمة: الشيخ إبراهيم جواد |
فيما يتعلّق بدعاء عرفة، هناك مطلبٌ مرتبطٌ بذيله الذي ورد فيه، ولا سيّما أنّ للبعض اهتماماً زائداً بهذه الفقرة الأخيرة أحياناً، وفي هذا الباب أحبّ أن أعرض مطلباً بشأنه:
موضوع البحث الحاصل هو أنّ هذا الذيل منتسبٌ إلى الإمام وجزءٌ من الدعاء أم أنّه لا علاقة له به؟
الكفعميّ في كتابه «البلد الأمين»(1)، والمجلسي في «زاد المعاد»(2) – الذي كان في الماضي رائجاً بين عموم الناس كما هو الحال بالنسبة لـ«مفاتيح الجنان» الآن، وهو كتابٌ دعاء جيد جداً – لم يُوْرِدا هذا الذّيل.
وللمجلسيّ في المجلد الثامن والتسعين من «البحار»(3) هذه العبارة: (قد أورد الكفعمي رحمه الله أيضاً هذا الدعاء في البلد الأمين وابن طاوس في مصباح الزائر كما سبق ذكرهما، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورق تقريباً وهو من قوله: «إلهي أنا الفقير في غناي ..» إلى آخر هذا الدعاء، وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الإقبال أيضاً، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السّادة المعصومين أيضاً، وإنّما هي على وفق مذاق الصوفية، ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفية ومن إلحاقاته وإدخالاته)(4).
عندما يقرأ المرء هذه العبارات يجدُ أنّ الحقَّ واقعاً مع المرحوم المجلسيّ، فهي عباراتٌ لا تُلائم لحن وسياق أدعية الأئمّة، فإنّك إذا قرأتَ الصحيفة السجّادية من أوّلها إلى آخرها [لن تجد مثل هذا التعبير]، وإنني لا أتذكر أني وجدت تعبيراً كهذا: «إلهي طهّرني من شكّي وشِرْكي قبل حلول رَمْسي»، وإنِّني كلما حاولت أن أستذكر في ذهني -وبالطبع لم أتتبع بشكل كامل- لأرى هل ورد في موضعٍ من دعاء أبي حمزة أو الصحيفة السجاديّة أو في أدعية أخرى تعبيرٌ بهذا النحو: «إلهي طهّرني من شكّي وشِرْكي» لم أجد. نعم؛ من الممكن أن يكون تعبيرٌ بهذا النحو: «أعوذ بك من الشكّ والشرك»، ولكن لا يكون هكذا: «إلهي طهّرني من شكّي وشِرْكي قبل حلول رَمْسي».
أو تعبيرٌ آخر: «إلهي حقّقني بحقائق أهل القُرب، واسلك بي مسلك أهل الجذب».
التعبير بـ«أهل الجذب» و«أهل القُرب» من اصطلاحات العُرفاء والصوفيّة، «المقرّبون» قد وردت في القرآن الكريم «والسّابقون السّابقون * أولئك المقرَّبون»(5)، أمّا أهل القُرب فلا.
أو عبارة: «إلهي، علمتُ باختلاف الآثار وتنقُّلاتِ الأطوار أنَّ مُرادك منِّي أن تتعرّفَ إليّ في كل شيءٍ حتى لا أجهلَك في شيءٍ»، هي تعبير لا يتناسب واقعاً مع الإمام المعصوم وسياق الأدعية، ومن هذه الجهة يحصل للمرء ظنٌّ قويٌّ بأنّ ذيل دعاء عرفة ليس من الإمام (عليه السلام).
ولو أرادَ شخصٌ أن يقرأها بعنوان الرّجاء أو بعنوان الاحتمال فلا مانع، ولكننا لا نقدر على القول بأنّ هذا الكلام قد قاله الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا سيّما أنّه قد ورد في القسم الأخير من الرواية أنّ الإمام وأهل بيته وأصحابه قد بكوا كثيراً وكرروا قول «يا رب يا ربّ» إلى الغروب، وبعدها قالوا: «آمين»، فانتهى الدّعاء وتوجّهوا إلى المشعر(6).
وقد نقل البعضُ أنّ هناك كتاباً باسم «الحكم العطائية» لأحد العرفاء والصوفيّة من القرن الثامن الهجريّ أو أواخر القرن السّابع، وله مقاماتٌ عرفانيّة باسم «ابن عطاء الاسكندرانيّ» وقال إنّه قد رأى هذه المضامين في ذلك الكتاب(7). وليس بعيداً أنّ تكون قد أضيفت بالتدريج إلى الدعاء لاحقاً وأُوْرِدَت في آخره.
أصل المقالة باللغة الفارسيّة موجود على الموقع الرسميّ للشيخ اللنكرانيّ: اضغط هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البلد الأمين، ص352-364.
(2) زاد المعاد، ص173-182.
(3) الصحيح أنّه في المجلد الخامس والتسعين.
(4) بحار الأنوار، ج95، ص227.
(5) سورة الواقعة، الآية 10-11.
(6) (قال بشر وبشير: فلم يكن له عليه السلام جهدٌ إلّا قوله: «يا ربّ يا ربّ» بعد هذا الدعاء، وشُغل من حضر ممن كان حوله وشهد ذلك المحضر عن الدعاء لأنفسهم، وأقبلوا على الاستماع له عليه السّلام والتأمين على دعائه، قد اقتصروا على ذلك لأنفسهم، ثم عَلَتْ أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض عليه السّلام وأفاض النّاسُ معه)، انظر: البلد الأمين، ص363-364.
(7) الحكم العطائية، ص70، بتصحيح: حسن السماحي سويدان.
تعليقات
إرسال تعليق