المراد من: «إذا حدّثتم بحديثٍ فأسندوه»
سأل أحد المؤمنين: رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا حدّثتم بحديثٍ فأسندوه»، هل المراد من ذلك أنّه يجب أن نذكر سند الحديث عند روايته؟
والجواب:
☆ الحديث المشار إليه رواه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعن أحمد بن محمد بن خالد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إٍذَا حَدّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الّذِي حَدّثَكُمْ، فَإِنْ كَانَ حَقّاً فَلَكُمْ وَإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْهِ». والحديث معتبرٌ على ما حقّقته في الرجال من قبول رواية النوفلي عن السكوني.
⊙ وهو من الأحاديث التي استند إليها جماعةٌ، منهم الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي في كتابه وصول الأخيار إلى معرفة الأخبار، والمجلسي الأول في روضة المتقين، قال في وصول الأخيار: «كثيراً ما استعمل قدماء المحدّثين منّا ومن العامّة قطع الأحاديث بالإرسال ونحوه، وهو مكروه أو حرام إذا كان اختياراً إلّا إذا كان لسبب كنسيان ونحوه، فقد روينا بطرقنا إلى محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن أحمد بن محمّد بن خالد عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم، فإن كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه»، وأمّا العلامة المجلسي فاكتفى بالتعبير بدلالته على مرجوحية الإرسال.
⊙ والذي يظهر لي من هذا الحديث أنّه ليس بصدد بيان الحكم التكليفي للإرسال كي نبحث عن دلالته على الحرمة أو الكراهة؛ فإنّه إنْ خُلّينا نحن وجملة (فَأَسْنِدُوهُ) لكانت ظاهرة - كغيرها من الجمل المشتملة على صيغة الأمر - في وجوب الإسناد، المقابل لحرمة الإرسال، لكنّ الكلام الوارد بعد ذلك يقلب الظهور الأوّلي للصيغة من الوجوب والحكم المولوي التكليفي إلى ظهورٍ ثانويّ في الإرشادية؛ وذلك لدلالة ذلك الكلام على أنّ الأمر بإسناد الحديث كان لكي لا يقع المرسل في محذور التكذيب فيما لو تبيّن عدم حقّانية الحديث، فهذا التعليل للأمر يصرفه إلى الإرشادية. فكأنّه عليه السلام قال: إذا أخبرك شخصٌ أنّ المعصوم عليه السلام قال: (كَيْتَ وكَيْتَ)، وأردتَ بدورك أنْ تنقل هذا الحديث إلى الآخرين، فلا تقل لهم: قال المعصوم: (كَيْتَ وكَيْتَ)، بل قلْ: فلانٌ أخبرني أنّ المعصوم قال: (كَيْتَ وكَيْتَ). وفائدة ذلك أنّ هذا الحديث إنْ كان صادراً بالفعل عن المعصوم عليه السلام، فأنت مساهمٌ في نشر الحقّ ومثابٌ عليه، وإنْ تبيّن أنّه باطلٌ ولم يصدر عن المعصوم، فيكون كذبه على مَنْ أسندته إليه، ولا يتّهمك الناس بالكذب والافتراء. وما كان هذا شأنه يكون ظهوره المنعقد في الإرشادية ليس إلّا.
تعليقات
إرسال تعليق